عندما حاورت صحيفة (اليوم التالي) الأستاذ عبد الرحمن حسن، المحافظ السابق للبنك المركزي، وسألته عن التأثيرات السالبة للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد السوداني عموماً، وعلى عمل المصارف التجارية تحديداً أطنب في الحديث عنها، لكنه استدرك مؤكداً أن ثلاثة أجيال من العاملين في البنوك التجارية تعاملت مع تلك العقوبات، وتعودت عليها.
* عقوبات عمّرت عقدين من الزمان، وأثرت على كل مناحي الحياة في السودان، لأنها عطلت حركة التجارة، وأعاقت التحويلات، وقلصت الصادرات، وصعبت الاستيراد، وأعاقت سداد الديون، وحدت من القروض والمساعدات الخارجية، وحرمت مرضانا من التقنيات الأمريكية المتطورة في مجالات الطب والعلاج، وساهمت في تدمير السكة حديد، لأن معظم قاطراتها كانت أمريكية الصنع، بخلاف تأثيراتها المعلومة على سودانير وغيرها من الشركات السودانية الكبيرة.
* بسبب تلك العقوبات القاسية أصبحنا خارج منظومة التعامل ببطاقات الاعتماد الشائعة في العالم أجمع، مثل (ماستر وفيزا) وغيرها، لأننا حرمنا منها بسبب صدورها من شركات أمريكية.. العالم كله استغنى عن حمل (الكاش)، واستعاض عنه ببطاقات صغيرة الحجم، سهلة الحمل، عظيمة الفائدة، إلا نحن، احتجزنا في زمن كتل النقد الورقية، لأن بطاقات الاعتماد غير موجودة في السودان، بسبب العقوبات.
* حتى مستخدمي أجهزة الهاتف (آي فون)، باتوا يتحايلون بشتى السبل، ويضطرون إلى استخدام برنامج (الجل بريك) وتقنيات أخرى معقدة، كي يتمكنوا من تحميل التطبيقات الهاتفية، والسبب الحظر الأمريكي.
* من الصعب حصر التأثيرات السالبة لتلك العقوبات اللعينة، لأنها أثرت على كل مناحي الحياة تقريباً، وأضرت بالمواطن السوداني أكثر مما أثرت على السلطة، ومع ذلك استمرت، وتسببت في هروب معظم الشركات العالمية الكبيرة من السودان.
* حتى شركات الطيران العريقة (مثل لوفتهانزا) توقفت عن التحليق في أجواء السودان، وكادت تلحق بها شركات أخرى تتبع لدول الإقليم، لأنها عجزت عن تحويل أموالها من السودان.
* كذلك تأثرت قدرة السودان على سداد ديونه، وفتح اعتماداته للسلع المهمة بعقوبات جائرة، ظلت تتجدد كل حين، منذ أن سنها الرئيس كلينتون، وحتى عهد الرئيس أوباما، الذي ودع عهده في البيت الأبيض بتقديم أجمل هدية للشعب السوداني، وأصدر قراراً تاريخياً، أدخل الفرحة والسرور في كل دار على امتداد وطننا الحبيب.
* بحمد الله تخلصنا من ذلك الهاجس المزعج، المكلف، المدمر، بجهدٍ كبير، وعمل منظم ومخلص، يستحق كل من شاركوا فيه التهنئة والشكر والتكريم.
* شخصياً لم أتفهم منطق من تطرقوا إلى حدوث تدافع وتنافس غير حميد على المغانم بين بعض المسؤولين، لأن الثابت للجميع، والواضح لكل العيون أن تلك الجهود تنوعت وتعددت وتكاملت تحت قيادة السيد الرئيس.
* أثبت الفريق طه تلك الحقيقة في حواره مع (اليوم التالي)، وأشار إلى الجهود التي بذلتها جهات عديدة، على رأسها الدبلوماسية السودانية، ولجنة غندور، كما تطرق إلى مساهمة علي كرتي في إقناع الرئيس بعودة المبعوث الأمريكي، وثمن مساهمة صلاح قوش في تطبيع العلاقات الأمنية مع المخابرات الأمريكية، وأومأ إلى جهد سفارتنا في أمريكا، وامتدح الجهد الذي بذله محافظ البنك المركزي السابق، ولم ينس الإشارة إلى مساهمة أسامة فيصل وطارق حمزة وغيرهما في الجهود التي توجت برفع العقوبات.
* الحديث عن أن الفريق طه تعمد إجراء حواره مع (اليوم التالي) في نفس التوقيت الذي عقدت فيه اللجنة مؤتمرها الصحافي ليس صحيحاً، لأن الحوار المذكور كان من المفروض أن يجرى يوم الأربعاء الماضي، وتأجل بسبب سفر الحبيب محمد لطيف إلى مدينة عطبرة لظرفٍ طارئ.
* في اعتقادي أراد مدير مكتب الرئيس أن يمنح الأشقاء الذين ساهموا في رفع العقوبات عنا حقهم، ويوضح دورهم، ويشكر فضلهم، ويقر بحسن صنيعهم، ويوضح أن السودان حرص على أن يرد لهم التحية بأحسن منها، عندما أعانهم على التواصل مع عدد كبير من الزعماء الأفارقة، وساعدهم على بناء تحالف قوي دعماً لعاصفة الحزم، بخلاف حرصه على توضيح الدور الكبير الذي لعبه الرئيس في رفع العقوبات، بمتابعته اللصيقة لكل مراحل التفاوض المباشر وغير المباشر مع الأمريكان.
* تلك هي خلاصة الحوار في رأيي، علماً أنه أشار في متنه إلى الدور المهم الذي لعبته لجنة غندور في التفاوض مع الأمريكان خلال الشهور الستة الماضية، وسمى غندور باسمه، فلماذا نغفل كل تلك الحقائق الثابتة لنفترض سوء النية في صاحب الحوار؟
* هل كتب علينا أن نتشاكس في كل شيء، ونحشر نظرية المؤامرة في كل شيء؟
* لماذا نشغل أنفسنا بالصغائر، بدلاً من أن نحتفي بالإنجاز الكبير، ونفكر في كيفية استثماره، ونمنح الأشقاء الذين أعانونا على التخلص من هاجس العقوبات حقهم، ونحتفي باهتمامهم بنا، ونفخر بمساعدتنا لهم، من باب رد الجميل.
* (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟
مزمل ابوالقاسم – للعطر افتضاح
صحيفة اليوم التالي