الحياة في أمسيات المدنية لا تشبه نهارات “كرش الفيل”! الخرطوم بالليل

الخرطوم – درية منير
نهارات الخرطوم الضاجة والصاخبة في المدينة التي تنعت لدى العامة بـ (كرش الفيل) ليست كل المشهد وليس كل الخرطوم، فثمة خرطوم أخرى وحياة أخرى تختلف في تفاصيها هي (الخرطوم بالليل) بالثريات المضيئة وصالات الأفراح والمطاعم والمحلات الساهرة حتى الساعات الأولى من الفجر.. جولة (اليوم التالي) الليلية كشفت أن الشاعر التجاني حاج موسى يوم أنشد (يا جمال النيل والخرطوم بالليل)، لم يكن الأمر مجرد خيال شاعر، بل واقعاً وحياة نابضة تنتهض ليلا.
صور تتلاشى
يُعد وسط الخرطوم قبل سنوات خلت من أكثر الأماكن التي تسهر حتى الساعات الأولى من الصباح قبل أن يتغير نمط الحياة باللهث وراء أشغال الدنيا والظروف الحياتية، حيث كانت السينما هي الوجه الأول بجانب الكافيهات التي تعج بالوطنيين والأجانب على حد سواء، في فندق الزهرة الذي يشهد كل أربعاء أمسية غنائية استطلعنا أحد الذين يترددون عليه باستمرار، ليتحدث مهتدى محمد – موظف – لـ (اليوم التالي) قائلاً: حياة الخرطوم في الأمسيات لا تشبه المدينة صباحا، ففي الثاني لا تطيق حتى رؤية الناس نظراً للازدحام، أما ليلا فأغلب زوارها من الشباب أو مجموعة أصحاب لهم برنامج ثابت كما هو حالنا. ويضيف: نصنع تلك البرامج من أجل كسر روتين العمل الأسبوعي الثابت.
الكادحون العائدون مع الظلام
نعرج قليلا إلى الاتجاه الشمالي الغربي نحو موقف شروني وكبري الحرية الذي يعج ويضج بالكثير من الأرجل التي تركض لاهثة وراء مركبات تقلهم إلى منازهم في وقت ينوي الكثير من غيرهم الخروج لأجل التنزه والسهر ليلا، وإذا ما لاحظنا إلى سحنات وجوههم نجدهم أصحاب دخل محدود ومهن عمل يومية على كاهلهم لا يستطيعون سبيلاً إلى الترفيه.
عيسى نورين (تاجر) قال للصحيفة وحسبما يرى أنه لا حول له ولا قوة أن يخرج مرفها، فهو يعمل من السابعة صباحا وحتى المغرب على مدار السنة، لذا لا يجد وقتا يتنزه فيه، وأطلق سؤالا، إلى أين أذهب؟ فأماكن الترفيه أبعد ما تكون عنَّا لأننا نقطن في المناطق الطريفية للعاصمة، وغالبا ما يخرج في الأمسيات أصحاب الفارهات لأنهم يضمنون سبل العودة دون عناء.
مفارقات عديدة
ملاحظات رصدتها (اليوم التالي) عن ملامح هؤلاء المتنزهين الساهرين ليلا في شوارع الخرطوم وشارع النيل شخصيات تظهر عليها النعمة وملامح الثراء، فهم لا يشبهون الكادحين العائدين من الأسواق القائمين على معيشة أسرهم، ظهيرة كل يوم تشرع بائعات الشاي في تجهيز أوضاعهن، شباب يجوبون شارع النيل بفارهاتهم تفحيطا، وآخرين يوقفونها للغسيل، باعة متجولون يمارسون ماراثون ركض يومي يحملون بضائعهم على أكتافهم، وأطفال يسألون الناس إلحاحا أن يتصدقوا عليهم ولو بجنيه، في صورة مغايرة لأحوال الأغلبية.
أغنيات للخرطوم
ولا نذهب بعيدا عن ذلك الاتجاه، فقد احتوت مكتبة الموسيقى السودانية على عدد من الأغنيات كان مضمونها وصف الخرطوم بالليل، من بينها أغنيات البنات على شاكلة: “الليل الليل يا حلاة الخرطوم بالليل”، وتغنى أيضا ملك الجاز الأستاذ شرحبيل برائعته (الليل الهادي)، وقدم طه سليمان (سنتر الخرطوم) وصدحت مجموعة عقد الجلاد الغنائية بـ “ياجمال النيل والخرطوم بليل”، وجاء المد الشبابي مواصلا، فتغنى الفنان شكر الله بـ أغنية مطلعها “الليلة بالليل نمشي شارع النيل”.

Exit mobile version