كيف ينبغي أن تتعامل الشركات مع “الموظف المثير للمشاكل”؟

عندما أدرك سايمون (ليس اسمه الحقيقي) أن عليه التعامل مع موظف مثير للمشاكل في شركته، كان يعلم أن عليه التصرف بسرعة مع ذلك الموظف بسبب تأثيره السلبي المحتمل على الآخرين.

يقول سايمون، وهو مدير شركة صغيرة في نيويورك، إنه بالرغم من أن ذلك الموظف المثير للمشاكل تمكن من جذب عميل كبير للشركة في الفترة الأخيرة، إلا أن تصرفاته غير المرغوبة بدأت تؤثر سلبيا على الشركة.

ويقول سايمون إن الرجل الذي يتحدث عنه يحرص على أن ينسب لنفسه فقط الفضل في تحقيق مكاسب للشركة، وكان يتعمد إهمال الأعضاء الآخرين في فريقه.

في الوقت ذاته، قيل إن الموظف يتمرد ضد الشركة من خلال محاولة جمع عدد من العاملين بها حوله، والتهديد بإنشاء شركة خاصة به.

يقول سايمون: “كانت هناك حاجة لنُظهر للعاملين في شركتنا أن شخصا واحدا لا يمكن تفضيله على أعضاء الفريق بالكامل”. وهكذا تم طرد ذلك الشخص الذي كان يحرض الموظفين على التمرد.

ويضيف سايمون: “كان يمكن أن نعاني ماليا، ونهدر الكثير من الوقت لو استمر هذا الشخص في العمل معنا ولم يُطرد. كان يمكن للأجواء السائدة، وطريقة التعامل داخل الشركة أن تكون في غاية السوء. ولا أدري ما إذا كانت الشركة ستظل قائمة إلى الآن من الأساس”.
“مصدر إحباط”

يصادف معظمنا زميلا يصعب التعامل معه في مناسبة أو أكثر، خلال مسيرتنا العملية. وربما يكون شخصا جيدا في عمله، لكن سلوكه سيء على جميع الأصعدة، بدءا من الأنانية، ومضايقة الآخرين، والفظاظة في التعامل معهم، إلى العناد مع الآخرين من أجل العناد فقط. ويمكن لذلك الشخص أن يكون له تأثير مُدمر على معنويات الموظفين.

يكلف الشخض المثير للمشاكل شركته مبالغ مالية كبيرة بسبب سلوكياته

ويطلق الآن على ذلك الموظف الذي يحمل هذه الصفات في كثير من أماكن العمل وصف “الموظف السام”.

وأظهرت دراسات متعددة أن هذه النوعية من الموظفين تُكلف الشركات والدوائر الحكومية أموالا كثيرة، نظرا لتراجع إنتاجية الموظفين، أو تقديم الموظفين طلبات للحصول على إجازات مرضية، أو حتى الاستقالة، بسبب سوء سلوك هؤلاء الموظفين المثيرين للمشاكل.

وذكر تقرير صادر عن كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد عام 2015، أن الاحتفاظ بموظف من هذا النوع “السام” يُمكن أن يكلف ميزانية الشركة أكثر من 12 ألف دولار في العام الواحد. وهذا أكثر من ضعف القيمة الإنتاجية التي يمكن للشركة أن تجنيها من موظف ذي أداء جيد.

وتقول دراسة أخرى إن الخسائر المالية السنوية التي يمكن أن يتسبب فيها مثل هذا النوع من الموظفين يمكن أن تكون أكثر سوءا.

ففي استطلاع أجراه موقع “كارير بلدر” الالكتروني المعني بالوظائف عام 2012، وشمل 27 ألف شركة، تبين أن 25 في المئة من المشاركين في الاستطلاع قدروا تلك الخسارة المالية بأكثر من 50 ألف دولار في العام، بينما قال 41 في المئة منهم إن تلك الخسارة يمكن أن تصل إلى حوالي 25 ألف دولار سنويا.

ويقول ديلان مينور، الأستاذ الجامعي المشارك في كتابة التقرير الذي أصدرته جامعة هارفارد، إن ما يمكن أن يكون سببا في الإحباط بالنسبة للمديرين هو أن هؤلاء الموظفون “عادة ما يتصفون بالإنتاجية العالية؛ لأن الموظفين الذين لديهم ثقة زائدة في النفس، يكونون في الغالب من الأشخاص الناجحين”.

يقول ديلان مينور من جامعة هارفارد إن على الشركات التفكير في التأثير السلبي للموظف المثير للمشاكل على زملائه

ويضيف: “لكن أرباب العمل عليهم أن يفكروا في الأبعاد الأخرى المتمثلة في وجود هؤلاء الموظفين السلبيين، وتأثيرهم على بقية العاملين”.

ولكن مع وجود قوانين عمل في كثير من البلدان تجعل التخلص من الموظف المثير للمشاكل أمرا صعبا، كيف يمكن للشركات التعامل الأمثل مع المشكلة بدون إنهاء عقد الموظف المذكور بالضرورة؟ وكيف يمكن للشركات تجنب توظيف هؤلاء الأشخاص من البداية.

وهل يمكن إلقاء اللوم في وجود موظف مثير للمتاعب على الشركة نفسها، وعلى ثقافة العمل التي تمكن أمثال هؤلاء الموظفين من التصرف بالطريقة التي يتصرفون بها من الأساس؟
تقييم الأداء

يقول بروس تولجان، الخبير الأمريكي في شؤون الإدارة، إنه يتعين على مسؤولي الشركة أن يكونوا واضحين تماما إزاء ما هو السلوك مقبول في الشركة وما هو السلوك غير المقبول، وأن يقوموا بالتعرف على الموظف ذي الأداء السلوكي المتدني، والذي يصفه تولجان بأنه موظف “سام”.

ويضيف: “إذا لم تعالج الشركة مشكلة الأداء السلوكي المتدني، فسيكون ذلك رسالة ذات مضمون سلبي لبقية العاملين في الشركة”.

يقول تولجان إنه يمكن مساعدة الموظفين ذوي السلوك السيء على تحسين سلوكهم

ويقترح تولجان أيضا الالتقاء بذلك الموظف الذي يثير المشاكل بهدف “توضيح حقيقة السلوك الذي يتبعه، وتحليله، ومراقبته، وتقدير حجمه، ومن ثم تقديم النصيحة والتوجيهات لتصحيحه”.

ويضيف تولجان: “يستهلك تصحيح السلوك السيء كثيرا من الوقت”. لكن إذا لم تنجح هذه الإجراءات في تحسين سلوك الموظف، فهو ينصح بالتخلص منه، قائلا: “ذلك نظرا لأنك تدفع له أجراً وهو لا يتبع التعليمات، وهذا يعتبر عصيانا للأوامر”.

وتقترح ويندي هيرش، الأستاذة بالمعهد البريطاني لدراسات التوظيف، أن يركز مدير الشركة أو مسؤول شؤون الموظفين فيها على إقناع الموظفين سيء السلوك بعدة أمور، من بينها “الاستماع للآخرين، بمن فيهم عائلاتهم”.

وتضيف: “عندما تخبرك زوجتك وأبناؤك إلى أي مدى أصبحت شخصا مثيرا للاستياء، فمن الصعب تجاهل هذا التقييم وأنت في مكان عملك”.

وتقول سارة تروتا، وهي خبيرة بريطانية في شؤون التوظيف: “ينبغي القضاء على مثل هذا السلوك في مهده”.

وتضيف أنه على الشركات العمل بجد لمنع السلوك السلبي من البداية من خلال التأكد من شعور العاملين لديها بالأريحية في مكان عملهم.

المسؤول الذي يمارس التضييق على الموظفين من الأرجح أن يتغاضى عن السلوك السيء للموظفين المقربين منه.

وللمساعدة على تحقيق ذلك تقول: “ينبغي على الشركات تشجيع ثقافة يكون فيها الموظف قادراً على التعبير عن وجهة نظره بطريقةٍ بناءةٍ”.

وتضيف تروتا: “إن وجود قنوات تواصل جيدةٍ، وإجراء استطلاعات رأي منتظمة للموظفين، وإقامة منديات للقاء الموظفين، يمكن جميعها أن تقدم للشركة فرصة للتعرف على آراء الموظفين الإيجابية أو السلبية، وهو ما يُمَكِّنُ المؤسسة من اتخاذ قرارات إيجابية”.

وتتابع قائلة: “من خلال تجربتي، يحدث الضررُ الحقيقي عندما لا يكون الموظف الذي يشعر بحالة من الاستياء وعدم الرضا ظاهرا لنا، وهذا أصعب في التعامل معه والتعرف عليه، وهو في نهاية الأمر أكثر ضرراً لثقافة العمل السائدة”.

ويتعين على الشركات كذلك أن تمنع المسؤولين فيها من المضايقة المتكررة للموظفين، حتى لا يقوم بعض الموظفين الطموحين – عن وعي أو بدون وعي – بتقليد تلك السلوكيات المثيرة للمشاكل، في إطار سعيهم للبقاء في الشركة.

ويقول مجلس اتحاد النقابات المهنية البريطانية “تي يو سي”، وهو المنظمة التي تمثل معظم النقابات البريطانية، إنه بينما لا يرغب أي شخص في التعامل مع زميل صعب المراس، أو مثير للمشاكل، “فإنه من المهم أن يتم التعامل بإنصاف مع الجميع، وبكرامة، واحترام”.

وتضيف هانا ريد، خبيرة حقوق الموظفين في المجلس: “أفضل طريقة للتعامل مع هذه الأشياء هي الطريقة غير الرسمية، لكن ينبغي أن يكون لدى أرباب العمل إجراءات واضحة وشفافة للتعامل مع المشكلات المعقدة”.
حديث في مكان عام

تحاول بعض الشركات التخلص من “التفاحة المصابة بالعفن” في وقت مبكر جدا، خلال مرحلة إجراء المقابلة الشخصية مع المتقدمين لشغل الوظائف.

ففي شركة غرافيتي ميديا للإعلانات في نيويورك، يفضل المسؤولون إجراء المقابلات مع المرشحين للعمل بدعوتهم لتناول مشروب في مكان عام خارج الشركة، ويفسرون ذلك بالقول: “لكي نتجاذب أطراف الحديث، ولكي نرى كيف تكون ردود فعلهم تجاه أمور معينة”.

أما شركة “لويالتي وان” الكندية، التي تدير برامج تتعلق بتعزيز ولاء الموظفين لشركاتهم، فتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتسعى إلى أن يلتقي المتقدمون لشغل مناصب عليا في الشركة مع أطباء نفسيين.

ويقول المدير التنفيذي للشركة الكندية إن الأطباء النفسيين “قادرون على تحديد أين تكمن عوامل الخطر عندما تقوم بتوظيف شخص ما” في منصب مهم.

BBC

Exit mobile version