النفخ في الإصلاح ..!

«الإصلاح في السودان مثل قشرة موز على سطح صقيل .. لا يتحدث الساسة عنه إلا بعد السقوط» .. الكاتبة ..!
في كتاب مذكراته «كنت رئيساً لمصر»، كتب اللواء محمد نجيب – أول رئيس لمصر بعد سقوط الملكية وقيام الجمهورية – قائلاً (جئت متاخراً لوداع الملك فاروق بسبب ازدحام الطريق وكانت المحروسة في عرض البحر، فأخذت لنشاً حربياً دار بنا دورة كاملة كما تقتضي التقاليد البحرية، ثم صعدت وكان الملك في انتظاري .. أديت التحية فرد عليها، ثم سادت بيننا لحظة صمت قبل أن أخاطبه قائلا: كنت مستعداً أن أضحي برزقي وبرقبتي في سبيلك، ولكن ها أنت تراني أقف اليوم على رأس الجيش ضدك .. فكان رد فاروق: «إن الجيش ليس ملكي وإنما هو ملك مصر وطني .. ولكن تذكروا أن مهمتككم صعبة جداً .. ليس من السهل أبداً حكم مصر) ..!

لم تجد كلمات الملك فاروق وقعها الذي تستحق في نفس محمد نجيب، لكنه تذكرها جيداً، وتأمل فيها طويلاً بعد إعفائه من الرئاسة، وتحديد إقامته لسنوات طوال حتى وفاته ..!
التصريحات التي يتبرع بها بعض المسئولين السابقين في بلادنا أحيانا رأساً إلى حالة «الاستدراك السياسي» التي وثقها محمد نجيب في روايته لمشهد وداع الملك فاورق .. والتي تؤرخ لمثلها ذاكرة الشعوب كلما شهد شاهد من أهل الحكم – السابقين – بضرورة الإصلاح ..!
ما يستفاد من هذا الإسقاط التاريخي هو أن لا تصدق أبداً سوى عقلك مهما أغرقتك الحجج السياسية وأن تجتنب شرور التصريحات والإلحاح الإعلامي ماستطعت إلى ذلك سبيلاً .. وليس شرطاً أن تصدقني – أيضاً – إذا ماقلت لك إن هذا الشعب – وبإسقاط حكمة الشوربة والزبادي – قد «اتلسع» من الإنقاذ فبات «ينفخ» في الإصلاح ..!

أول أسباب النفخ في الإصلاح هو تضعضع البنية الجامعة لذلك الكيان الذي يقود دفة الإصلاح .. ضع نفسك مكان سلطة جادة في مشروع الإصلاح وهب أنها – على عكس ما يحدث الآن، تحترم رأيك في أدائها – ما هي حزمة التدابير الإصلاحية التي كان يجب عليها أن تعجل بها حتى لا تكون عرضة لسوء ظنك لا سمح الله .. وما هو الجديد «الشديد» الذي قد يعصمها من إعمال عقلك والعياذ بالله ..؟!
أين خطط الإصلاح من مكابرة الملكيين أكثر من الملك .. وتجاوزات المتحزبين أكثر من الحزب .. أين هي من تدليل أولي الحظوة من الكوادر على حساب الكفاءة.. ورضوخ السلطة – وهذا هو الأهم – لابتزاز بعض منسوبيها الذين يلوحون بسلاح التمرد في حال عدم استرضائهم بما يكفي من الجاه والمناصب؟! .. كيف ينجح إصلاح وطني يمسك بتلابيبه ابتزاز سياسي .. فلا ينتفض بإهمال المحسوبية، ولا ينتصر بإعمال التنصيب على أساس الكفاءة لا المكافأة ..؟!
أضابير التاريخ – الذي يعيد نفسه بتطابق حيناً، وبتصرف أحياناً – تقول إن قصر نظر يزيد بن معاوية كان بداية تدهور الخلافة الأموية التي عجزت عن محاصرة احتجاجات المعزولين سياسياً، فجاء بنو العباس ونكلوا بالتنفيذيين الذين كانوا خلفاء – في جموحهم السياسي – أكثر من الخليفة .. حري بأي حزب ينشد الإصلاح – إذاً – أن يبدأ بأهل بيته ..!
خلاصة الإسقاط: وهل تكب الأحزاب على وجوهها في النار إلا حصائد كوادرها ..؟!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة

Exit mobile version