لم يكن الشيخ حسن الترابي مدى عمره المبارك مشغولاً بأن يقال عنه إمام الحريات أو شيخ الإسلام أو مجدد القرن أو غيرها مما كان يستحقه بجهده وجهاده وصبره وعزمه، وايضاً ما كان يشغله العائد المادي من أفكاره وكتبه وندواته ومحاضراته ولقاءاته الإعلامية أو الجماهيرية، وقد كان شديد الحرص على ألا تغتنى كتبه ويعتنى بها فقط من أجل تزيين رفوف المكتبات بها أو من أجل المجادلات فقط.
“لعل الصلاة والشعائر لا تظلان صورا وأشكالا في حياة المسلمين” بهذه العبارة أهدى الشيخ عليه رحمة الله إلى أحد تلاميذه كتابه الصلاة والشعائر التعبدية، وهي عبارة على اختصارها تلخص مراد الشيخ الترابي من مكتوبة هذا وهو أنه أراد أن يتحول فعل الصلاة من مجرد حركات تؤدى إلى فعل ذي أثر في حياة المؤمن كلها، فالله أكبر من كل متكبر ومستكبر وكبير وهي رحلة إلى الله تصل المؤمنين بربهم فقد أراد الشيخ الترابي أن يتحرك المؤمن متمثلا الصلاة ومحققا كمال الإيمان في كل حركة الزمان.
لذلك كان الشيخ الترابي منشغلا بتنزيل أفكاره واقعا في حياة الناس وكان يدرك الفرق بين مثاله الذي يرجوه والواقع الذي يعمل فيه، لكنه لم يستسلم للواقع بل كان يجتهد ويجاهد في مقاربة واقعه من مثاله، يخطو مستحثا الخطي بصبر وعزيمة يتقدم ولا يتراجع ويبني على ما أنجز.
لقد كان الشيخ الترابي مدرسة في الرأي والفكر والمعرفة والاستدلال والاستنباط والتجديد والأصالة والمعاصرة حتي أسماه البعض بشيخ الاسلام، ولكنه *كان مدرسة في العمل* لتنزيل أفكاره وتصوراته واقعا في حياة الناس وقد مضي إلى ربه وهو يعمل على تنزيل هذه التصورات مَثلُه كمثل الأنبياء والمصلحين رغم الكيد والأذى والسجون والمؤامرات عليه وعلى مشروعه ، وهذا هو ما يميز الشيخ الترابي عن غيره من أهل الفكر والمعرفة وستظل مقارباته هذه حية ندية وما سيبني عليها من أعمال وما يتطور من أفكار هو *الأثر الذي سيبقى*.
كتب: عُثمان حَسن خَلِيفَة