هل ينتهي عصر الوالدين ويبدأ عصر الآباء المتعددين؟ إنه ليس سؤالاً هزيلاً أو أحمق بل هي مخاوف حقيقية طرحها علماء كبار بسبب الثورة العلمية المتعلقة بتخليق الخلايا الجنسية للذكور والإناث على حد سواء، ما قد تغير شكل الحياة كما عرفه البشر منذ بدء الخليقة وتسبب إرباكاً عميقاً لمفهوم الأمومة والأبوة؟
فقد حذر باحثون من العمليات المخبرية الجديدة التي قد تسمح لعيادات الخصوبة بتخليق الحيوانات المنوية والبويضات من جلد الإنسان، والذي قد يؤدي إلى “زراعة الأجنة” على نطاق واسع، بالإضافة إلى دفع الآباء للحصول على أطفال “مثاليين” فقط، في المستقبل.
وفقاً لما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، يقول المتخصصون في مجال الطب والقانون في الولايات المتحدة الأميركية، إن إجراءات التخصيب المعروفة باسم عملية تكوين الأمشاج داخل الأنابيب (IVG)، أثبتت نجاحها على فئران التجارب فقط حتى الآن، ما يحتم الحاجة إلى التخطيط في الوقت الراهن، بالنظر إلى التقدم السريع الذي يشهده ذلك المجال وما يحمله من تأثيرات دراماتيكية.
وقال إيلي أداشي، أستاذ العلوم الطبية في جامعة براون في ولاية رود أيلاند الأميركية “نحن نحاول ألا نتخذ موقفاً من هذه المواضيع، ولكن يجب الإشارة إلى ما سوف نواجهه ليس بعد وقت طويل للغاية من الآن، ويجب أن نقوم بواجبنا لبدء النقاشات المتعلقة بهذا الشأن الآن”.
صار تخليق الحيوانات المنوية والبويضات من الأنسجة الأخرى أمراً ممكناً من خلال سلسلة من التطورات التي توصل إليها العلماء مؤخراً، إذ يعيدون في البداية برمجة خلايا البالغين إلى خلايا أصغر سناً، وفي حالة أكثر تكيفاً وتنوعاً، ومن ثم زراعتها داخل الخلايا الجنسية.
فئران رضيعة
وقد أعلن العلماء في اليابان في أكتوبر ولادة فئران رضيعة للمرة الأولى من بويضات صنعت من جلد آباء تلك الفئران.
لا تزال هذه التكنولوجيا في بدايتها، فضلاً عن عدم قانونية محاولات تطبيقها على البشر في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
إلا أن اللافت هو ما ورد في مجلة علوم الطب الديناميكية (Science Translational Medicine) التي جادل فيها أداشي وجلين كوهين، أستاذ القانون في جامعة هارفارد، وجورج دالي، عميد كلية الطب بجامعة هارفارد، حول إمكانية تخليق بويضات ونطف بشرية من الجلد “في المستقبل القريب”.
قد تقدم عملية تخليق الأجنة في الأنابيب IVG أملاً جديداً للذين يعانون من العقم، بمن فيهم أولئك الأشخاص غير القادرين على الإنجاب بعد العلاج من السرطان، لأن العلاج الكيميائي يدمر الخلايا التناسلية، فوفقاً لعملية IVG، صار من الممكن جمع خلايا جلدية من المريض وتحويلها إلى نطف أو بويضات صحيحة للاستخدام في عملية أطفال الأنابيب في وقت لاحق.
يقول الباحثون إن عملية أطفال الأنابيب قد تتغير بأشكال مختلفة أيضاً، من خلال عدم الحاجة للمتبرعين بالبويضات وعمليات التحفيز الهرموني المعتادة التي تمكن النساء من إنتاج البويضات.
تساؤلات أخلاقية
لكن بجانب الفوائد المحتملة لعملية تخليق الأجنة في الأنابيب IVG، تبرز مجموعة من التساؤلات القانونية والأخلاقية. فإذا صار إجراء هذه العملية بسيطاً وغير مكلف في وقت ما، قد تتمكن العيادات الطبية من تصنيع عدد لا نهائي من النطف والبويضات والأجنة.
قال الباحثون: “قد تؤدي عملية تخليق الأجنة في الأنابيب IVG إلى تنامي شبح زراعة الأجنة على نطاق لا يمكن تخيله في الوقت الحاضر، ما قد يفاقم المخاوف المتعلقة بتلاشي قيمة الحياة البشرية”.
بدلاً من انتقاء الأطباء لأفضل الأجنة من بين 6 أجنة فقط لزوجين يخضعان لعلاج الخصوبة، قد تتيح عملية تخليق الأجنة في الأنابيب IVG الانتقاء من بين مئات الأجنة. على الرغم من الاعتقاد بأن هذا أمر مفيد ، إلا أن الباحثين يقولون “إن المخاوف تتزايد حول اختيار الآباء لأطفال مثاليين فقط في المستقبل”.
آباء متعددون
قال الباحثون في حالة افتراضية أخرى، قد تُخلّق الحيوانات المنوية والبويضات من أكثر من شخصين في ظل عملية تخليق الأجنة في الأنابيب IVG، وهو ما قد يؤدي إلى ولادة طفل يشترك في تكوينه الوراثي 3 آباء أو أكثر. وتثير مثل هذه الحالة تساؤلات خطيرة حول حقوق ومسؤوليات كل من هؤلاء الآباء المشاركين.
متى تطبق على البشر؟
سوف يتطلب هذا الموضوع الكثير من الدراسات، بما في ذلك إجراء التجارب على القرود والحيوانات الأخرى، قبل أن يتأكد العلماء من أن عملية تخليق الأجنة في الأنابيب IVG فعالة وآمنة بالقدر الكافي الذي يسمح بتطبيقها على البشر.
وستتضمن الخطوات الأولى في حال تطبيقها على البشر، إنتاج الحيوانات المنوية من خلايا جلد الرجل، وإنتاج البويضات من جلد المرأة.
ومن حيث المبدأ، قد يكون من الممكن إنتاج حيوانات منوية من خلايا جلد امرأة ما، ومن ثم استخدامها في تخصيب بويضاتها.
مزمز