* معاناة السودان متزايدة بشكل مستمر، وتحديداً في مجال الحريات، والحريات الصحفية على وجه الخصوص، وهي حقائق لا تقبل الجدال، ورغم ذلك يُصر نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن على دعم الدولة للحريات الصحفية المسؤولة القائمة على الضوابط المهنية والوطنية والأخلاقية، ولا أحد يدري عن أي حريات يتحدث سيادته، وهو العالم بكل صغيرة وكبيرة داخل الدولة.
* ويصر أن تلعب الصحافة دوراً رائداً في تعزيز وترسيخ مبادئ الحوار والنأي عن كل ما يؤثر في وحدة وسلامة الوطن بحسب قوله، مع الوضع في الاعتبار مناقشة دمج المؤسسات الصحفية.
* إذا حاولنا تفكيك حديث الرجل وتناول كل نقطة على حدا، سنجد أن التصريح الأول لا يخرج من إطاره وكأنه لأجله فقط ، أو لكسب أراض جديدة غير موجودة في الواقع ، لأن معاناة الصحف وأجهزة الاعلام المختلفة لا تحتاج لتصريح رئاسي لتكشف عنها ، ويكفي ما يطالعنا به وزير الاعلام أحمد بلال عثمان يومياً وهو الذي ينور الرئاسة بما يدور .
* إغلاق صحف لفترات طويلة ومصادرة أجهزتها، إيقاف أقلام بغرض تجفيفها ، وتجفيف صحفها وتركيع إدارتها حتى تلتزم بالخط التحريري الموالي للنظام، بجانب زيادة عدد الصحف الموالية للنظام بإستمرار ودعم المتعسر مالياً منها حتي يواصل تقديم الرسالة المغايرة للواقع وتكبير الكوم، حتى ولو لم توزع نسخة واحدة.
* القنوات الفضائية لا تقل أهمية عن الصحف وتدخل ضمن الجهات الصحافية التي عناها السيد النائب، ورغم أن الجميع يعلم أنها محاصرة ببرامج في معظمها انصرافية، بعيدة عن كل مايحدث في الواقع السوداني، بداءً بالحرب التي تراوح مكانها مروراً بتردي الخدمات وزيادة الأسعار المستمرة، والامراض الفتاكة ونقص الأدوية، وهو ما يقود الى التكهن ببُعد قنواتنا عن مواكبة الفضائيات من حولنا، وأن ذلك يتم بقصد مع سبق الاصرار، في اطار سياسة التغبيش والتعتيم التي يفرضها النظام ويدفع مقابلها من خزينة الدولة الكثير في وقت ينتظر فيه الصحافيين تخصيص ميزانيات للتدريب والتأهيل ورفع مستوى آداء المهنة.
* الضوابط المهنية والاخلاقية التي ينادي بها النائب موجودة ولكن يحظر التعامل بها عند الضرورة، والأخبار الحقيقية والكوارث التي تتناقلها المواقع الاليكترونية غير الخاضعة لجبروت المنظومة الحكومية لتشير في بعض الأحيان الى أن سياسة النظام غير معنية بأي ضوابط مهنية ولا أخلاقية، ومايقال مجرد حديث للإستهلاك فقط، والدلائل كثيرة ومتعددة.
* وليس أبلغ دليل علي ذلك من تصريحات ساخرة لمسؤولين تفرض عليهم مسؤوليتهم الاخلاقية الترفع عنها، وجميعنا يحفظ عن ظهر قلب تصريحات شهيرة لمسؤولين علي شاكلة، لحس الكوع، ونحن من اغنينا الناس، والشعب السوداني قبل الانقاذ كان شحاد، وغيرها من مفردات خادشة للأخلاق والوطنية، ومهينة في حق الشعب.
* نخشى أن تكون الضوابط الوطنية التي يعنيها الخطاب الرئاسي هو عدم تناول التقصير الحكومي أو سياساتها التي تورث في الفقر ، والاكتفاء بتسليط الضوء على قضايا مصطنعة بغرض لصرف الانظار عن الحقيقة ومن المؤكد إن كان ذلك هو المقصود فهذا يعني خسارة الحكومة والصحف معاً.
* أما ما يُثار حول دمج الصحف لتأسيس مؤسسات إعلامية صخمة، فهنا مربط الفرس ، فالنظام متضجر من بعض الصحف المملوكة والموالية والتي في معظمها ضعيفة وتأكل من سنام المال العام، وهذه تحديداً لا بد من اتخاذ أي خطوة تجاهها من وجهة نظر النظام ولا تعنينا باعتبار (أن زيتهم في بيتهم)، أما الصحف الخاصة فهذه لا مجال لأي اجتهادات بشأنها، إلا إذا رأت الحكومة (لي زراع اصحابها) ليتماهوا مع الخط العام للنظام، ولا أعتقد أن هناك من يقبل بمثل هذه التسويات البائسة التي تفقدها مصداقيتها امام قارئها.
* الحل يكمن في وقف العدائيات بين الحكومة والمؤسسات الصحفية ان كان الغرض فعلاً تهيئة المناخ لتحقيق الأمن والعدل والسلام، وغير ذلك فهو أمر آخر لا محل له في عقلية المواطن الواعي.
بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة