كشفت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية غادة والي أن المصريين يتعاطون المخدرات بضعف المعدلات العالمية، ولفتت إلى أن أطفالا دون سن العاشرة باتوا يتعاطون، بينما ارتفعت نسبة التعاطي في صفوف الإناث لنحو 27%.
وعلى عكس ما يبدو من كون تدهور الظروف الاقتصادية في مصر يعيق المتعاطين عن الاستمرار في تناول المخدرات، فإن أحدهم يقول لـ الجزيرة نت “أعمل ورديتين كحارس، وسيستغنون عني لو لم أحافظ على (أكل عيشي) بقليل من المنبهات (المخدرات) فأنا مضطر”.
إن أسعار المخدرات التهبت ككل شيء بمصر، غير أن الحصول عليها ميسر “وربما أسهل من الحصول على كيس سكر” هكذا يقول (م) وهو سائق تاكسي، ويضيف للجزيرة نت “يمكنني الاستغناء عن السكر، لكن لا يمكنني تقليل كمية الترامادول، فبدونها لن أعمل بأقصى طاقتي، وساعتها لن تأكل أسرتي”.
تعاطي الأدوية
وتكشف الصيدلانية داليا كيلاني أن بعض المدمنين يتعاطون عددا من الأدوية ذات المركبات المضادة للحساسية، المتوافرة والرخيصة في الصيدليات كأدوية الكحة، والتي يشربها المريض كاملة قبل الخروج من الصيدلية، وفق تعبيرها.
كيلاني: الحكومة تشددت مع الصيدليات في صرف بعض المسكنات (الجزيرة)
وتقول للجزيرة نت إن “أقراص علاج البرد يتم تعاطيها كبودرة عبر طحنها على حجر الشيشة، أو تذويبها كمحلول وتعاطيها بالحقن في الوريد، أما الترامادول فقد تشددت الحكومة إزاءه عبر صرفه في المستشفى لمريض محتجز بها”.
ولا يبدي الطبيب النفسي أحمد عبد الله أي دهشة من تضاعف معدلات تعاطي المخدرات بمصر “فالطبيعي وسط الضغوط المتزايدة على المصريين، هو اللجوء للمخدرات.. وسط رغبة عارمة في الخلاص من الاحتقان والاختناق”.
ويقول للجزيرة نت “إن الكثيرين يواجهون الحياة بلا آليات للتوازن كالتي يمارسها البشر العاديون، وحتى الفقراء عبر العالم، تخفيفا للضغوط، بينما يواجهها بعض المصريين بالمخدرات التي بات تعاطيها أقل عناء من أي فعل آخر”.
ويضيف أنه بينما يحث الدين على الترويح عن القلوب، فإن كثيرا من الشيوخ يعتبرونه محرما، كالموسيقى مثلا، ليصبح هذا الرأي المتطرف أزمة مضاعفة للإنسان، وفق تعبيره.
والنتيجة الحتمية برأي هذا الطبيب النفسي “انعدام الفاعلية، والسلوك العبثي، وتفاقم المشاكل، وبالتالي تضاعف المخدرات، في ظل طرق علاج قديمة عقيمة”.
ويؤكد أن علاج المدمن سهل، بيد أن الأسهل منه هو انتكاسة المريض، ليبقى البديل هو الحماية عبر الحياة الكاملة.
كارثة الترامادول
ويتحدث المدير السابق لوحدة الإدمان بمستشفى العباسية عبد الرحمن حماد عن زيادة العرض والطلب على المخدرات بالسوق في ظل الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار الذي صاحب ثورات الربيع، بالإضافة إلى تزايد التهريب عن طريق الحدود، واستهداف دول المنطقة ومصر بالذات.
ويعتقد حماد أن “الترامادول هو الكارثة الأكبر لانتشاره بين الشباب، في ظل تردي الظروف الاجتماعية، وتزايد الأعمال الدرامية التي تروج للمخدرات والعنف”.
ويرى أن الترامادول يوجد على رأس أخطر المخدرات لأنه علاج مصنع يتبع مجموعة “المورفينات” حيث يعمل على جهاز الأعصاب المركزي.
ويضيف د. حماد أن من أسباب انتشار الترامادول رخص سعره وسهولة الحصول عليه والاعتقاد الخاطئ بأنه لا يسبب الإدمان، علاوة على عدم تجريم تناوله إلا منذ وقت قريب بعد تفاقم مشكلته.
ويشير إلى أن فئات مختلفة تتعاطى الترامادول بمن فيهم ربات البيوت، بدعوى أنه منشط ويزيد الطاقة ويؤخر الشعور بالتعب.
ويؤكد د. حماد أن الأبحاث العالمية تؤكد تزايد الإدمان بين السيدات، وأن الأخطر في إدمان النساء الأثر السيئ على الأسرة، في وقت تحجم كثير من الأسر عن علاج بناتها.
ويرى أن حل أزمة تزايد معدلات الإدمان يكمن في تفعيل الخطة القومية لمكافحة الإدمان التي تقوم على خفض العرض عبر تشديد القوانين والاتفاقيات مع الدول المنتجة للمخدرات، ومكافحة غسل الأموال مع خفض الطلب بالوقاية والعلاج وإعادة دمج المدمنين المتعافين من الإدمان بالمجتمع، وفق قوله.
الجزيرة نت