أدوا القسم على سرية مداولات الأمانة العامة .. المؤتمر الشعبي.. ليلة المصاحف هل تحسم المواقف؟!

حين تأتي سيرة (المصاحف) يتذكر إسلاميو السودان جيداً (ليلة توزيع المصاحف). الليلة الشهيرة انتهت بتقديم (القرآن الكريم) لرموز مهمة داخل الحركة الإسلامية السودانية تدليلاً على انتهاء دورهم، وتمهيداً لصعود ساسة الحركة المساهمين في إنجاح انقلاب يونيو 1989م.

وإن كان الزمن تباعد ورحل جزء كبير من تلك الليلة، برحيل عرَّاب الإسلاميين، د. حسن الترابي، فربما تحفظ ذاكرة الإسلاميين هذه المرة، حادثة جرت وقائعها يوم (الاثنين) المنصرم، ووضع فيها تلاميذ الترابي أياديهم على المصاحف، وأدوا قسماً مغلّظاً بعدم خروج أيٍّ مما دار في اجتماعات الأمانة العامة طيلة عشر ساعات كاملة، فيما يخص أمر مشاركتهم في الحكومة المقبلة من عدمه.

تيارات متصارعة
الأحوال داخل المؤتمر الشعبي ليست على ما يرام، فتماسك الحزب الذي كان يحفظه الترابي بات على المحك عند أول مفترق طرق حقيقي يقف الحزب قدامه، وما بعد مرحلة زعيمه التاريخي الترابي الذي كان أحد أبطال (ليلة توزيع المصحف)، كان طيفه حاضراً في قاعة الشعبي، فأّصل أصحاب تيار المشاركة الفورية في حكومة الوفاق الوطني المزمع إعلانها قريباً، لموقفهم بأنه امتداد لخطى (الحوار الوطني) الذي هندسه الراحل، (ومن كتبت عليه خطى مشاها)، فكيف إن كان في هذا الوجود لحفظ مكتسبات الشعبي في الحوار.

أما تيار الرافضة لمسألة المشاركة -فهو الآخر- يحوز أدلة مستقاة من الترابي، ويتقّول بمقولات كثيرة عن الراحل مفادها أن الحزب لن يشارك في الحكومة، وعلّ تلك الفئة تستبطن في عقلها الباطن ما جرَّته السلطة من خسائر للصف الإسلامي.

وفي ذات الاجتماع ظهر رأي توفيقي، يقول بالمشاركة متى حدثت استجابة لمطالب الشعبي الدستورية، فيما يخص ملّفي الحريات وصلاحيات جهاز الأمن.

أما الرأي الأكثر حدة، وينم عن مترتبات خطيرة، فكان من خارج الاجتماع، حيث هدَّد طلاب الشعبي بمفاصلة القيادات حال أقرت المشاركة، بينما حسمت الأمانة العامة للشعبي في البحر الأحمر، وقررت عدم المشاركة ما ضرها في ذلك أن ينخرط الحزب بكلياته في الحكومة.

بواعث
الحديث عن الشعبي ذو شجون، ولكن المقام مقام كتاب الله والذي بموجبه بات ما جرى في اجتماع الشعبي، طي الصدور، وممنوع من الصدور.

حسب الرواية التي تثبتت (الصيحة) من صدقيتها، فإن الأمين العام المكلف، إبراهيم السنوسي، وبعد ماراثون نقاشات محتدم، استمر طيلة (10) ساعات، طالب الحاضرين بأداء القسم على (المصاحف) بأن يظل ما دار بينهم سراً، لا يخرج إلى العلن، ويموت ويندثر مع أصحابه.

بواعث (القسم) المؤدى، تؤدي مباشرة إلى مخاوف تنتاب كبير الشعبي من حدوث تسريبات تزيد من الشقاق، وتسوق إلى الانشقاق، بين اراء شديدة التناحر، وعالية الوتائر.

ولكن بالنظر عن كثب للحادثة، يمكننا النفاد إلى كونها تعبِّر عن سيادة حالة من انعدام الثقة بين مكوِّنات الشعبي. قد يكون ذلك خوفاً من تقوية أحد التيارات المتصارعة على حساب الباقين ولربما هناك مخافة أن يؤدي خروج تسريبات الاجتماع إلى استفادة أطراف خارج المنظومة.

يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي، المهندس عبد العال مكين، لـ (الصيحة) إنه ما من سبب سقناه، وكان وراء أداء حاضري اجتماع الأمانة العامة للقسم بعدم تسريب شيء مما دار بينهم، وإنْ من داعٍ لذلك فهو العمل على استكمال الاجتماع الأول، بآخر مقرّر له يوم (الخميس) ويتوقّع أن يخرج بنتائج حاسمة وقوية، وذلك يتطلب تسوير الاجتماع الأول بسياج من السرية، وقال إن تكملة الاجتماع تقتضي عدم خروج الآراء والمعلومات بصورة مبتورة تؤثر سلباً على اجتماع التكملة.

وفيما يخص رأيه في مبدأ القسم، يقول مكين إنه لا يرى غضاضة في الأمر، بل ويذهب إلى أن الحلف على كتاب الله، والتواثق بحفظ ما تم التواثق عليه؛ بأنه أمر إيجابي.

عدم صحة
كيف يرى رجالات الدين، مسألة اللجوء إلى القسم في شؤون حزبية، وفي حالتنا التنظيمية. يقول نائب الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، الشيخ آدم أحمد يوسف، إن المجالس بأماناتها، بمعنى أن المؤمن مؤتمن على ما يدور في المجالس التي يحضر فيها، وينبغي عليه كتمان السر ما لم يكن في ذلك الكتمان ضرر يصيب كامل الأمة.

وينحو آدم إلى أن مطالبة بعض الأحزاب والكيانات المدنية من منسوبيها بأداء القسم على المصحف الشريف قبل وبعد الاجتماعات على وجه الخصوص، ينحو إلى أنه أمر غير صحيح، وجدد في حديثه مع (الصيحة) القول إن المؤمن مؤتمن، وحافظ للعهد وذلك وحده كاف، دون حاجة للجوء إلى مصاحف، ونوه إلى أن الصحابة الافاضل ما قبل كتابة المصحف، كان حلفانهم بالله كاف ليمضوا كل أمر.

بين أمرين
انتهت (ليلة توزيع المصاحف) في العام 1992م بحل الحركة الإسلامية بعد وصول قادتها إلى السلطة، فهل يحل أداء القسم على المصاحف معضلات الشعبي حيال مواقفه من ذات السلطة في العام 2017م، أم تراه يمهد لحلحلة وتوزيع الحزب بين من رفعوا المصاحف مقسمين باجتماع الأمانة العامة.

الخرطوم: مقداد خالد
صحيفة الصيحة

Exit mobile version