تبقت (16) يومًا على عودة الصادق المهدي إلى البلاد، وتجري الترتيبات لاستقباله من قبل حزب الأمة القومي، رغم أن البعض ما زال يتشكك في عودته بالتاريخ المحدد، لكونه عدّل توقيتها عدة مرات.
في هذه المقابلة التي تمت في القاهرة، يجيب المهدي على الأسئلة المتعلقة بالراهن السياسي الحالي، وتوقعاته لما يمكن أن يجري في المستقبل، مثلما أنها امتدت إلى بعض دفاتر الماضي واستنطاقه حول بعض الأسرار التي طرفها الراحل الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية، والدكتور منصور خالد، كما لم يخلُ الحديث مع المهدي من تناول التقاطعات السياسية مع غريمه السياسي مبارك الفاضل.. فإلى حيثيات المقابلة:
حاورته في القاهرة – أميرة الجعلي
* هل ما زال الحل السلمي قائمًا، رغم أن الحركات المسلحة لم تسقط الخيار العسكري؟
الحل السلمي هو الأصل، وأخشى أن تلجأ بعض الأطراف في المعارضة، إلى العمليات الإرهابية والمتطرفة في حالة انسداد الأفق السياسي، وقد بذلت جهداً مقدراً لإقناع هؤلاء بالتخلي عن هذه الأفكار؛ لأن السودان، في تاريخه، لم يتعرض لأي اغتيالات سياسية أو عمليات إرهابية، لكن مع انعدام فرص الحل السلمي ربما تدفع بعض أطراف المعارضة للتفكير في استخدام هذه الأساليب التي لن تحقق سوى الفوضى، لذا أدعو إلى الحل السلمي.
* هل تنظر إلى الرئيس عمر البشير كضامن للتحول السلمي الديمقراطي؟
رغم خلافي السياسي مع الرئيس البشير، إلا أنني أحفظ له بعض الإيجابيات، منها أنه رجل سوداني أصيل، وقد اعترضت من قبل، في تصريح صحفي منشور، على محاولة توقيفه في إحدى الدول الأفريقية؛ لأن توقيف الرئيس البشير لن يؤدي إلى حل مشاكل السودان؛ لأن انتقال السلطة من يد الرئيس البشير، دون ترتيبات، سيؤدي إلى فوضى. لكن في المقابل، لا بد أن يعمل البشير على الحل السلمي الديمقراطي، وأن يدفع متطلبات المرحلة السياسية عبر إتاحة الحريات، وتهيئة المناخ للتحول الديمقراطي، ووقف الحرب، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وأن تقوم انتخابات حرة ونزيهة ليقرر الشعب السوداني من يحكمه، وفق نظام سياسي متفق عليه.
* يلاحظ أن علاقتك بجون قرنق شابها التوتر والخلاف العميق، وظهر ذلك في خطابات متبادلة، هل هناك أي أسباب أو خلفيات لذلك؟
تأكدت من مصدر موثوق به أن جون قرنق كان مهمومًا، بعد عودته إلى الخرطوم نائبًا أولَ للرئيس بعد اتفاقية السلام، بالتخلص السياسي مني، وربما الجسدي، باعتبار أن حزب الأمة هو المهدد السياسي لمشروعه، خاصة وأننا قدمنا نقدًا موضوعيًا وقويًّا لاتفاقية السلام والمخاطر المترتبة عليها.. ولعل من الغريب أن جون قرنق، في بداية تأسيس حركته، كان راغباً في بناء تحالف سياسي قوي مع حزب الأمة، وظهر ذلك التوجه في اتفاقية شقدم، لكن بعد انضمام منصور خالد إلى الحركة الشعبية، بدأت الأمور تتغير لمعاداة حزب الأمة وبناء تحالف سياسي مع الحزب الاتحادي، ربما لأنه هو الأقل كلفة سياسية للحركة الشعبية.
* هل تتهم منصور خالد بأنه وراء المخاشنات في الخطابات المتبادلة بينك وبين جون قرنق؟
لا شك في وجود بصمة قوية لمنصور خالد في خطابات جون قرنق المتبادلة بيننا، هذا إذا لم يكن هو نفسه من كتبها، وليس جون قرنق، ولعل التوجهات المعادية من الحركة تجاه حزب الأمة، ربما تكون استجابة لمؤثر خارجي.
* على ذكر العامل الخارجي، هلا حدثتنا عن مقابلتك للوفد الغربي قبيل تسلمك منصب رئيس الوزراء في الديمقراطية الثالثة؟
طلب مني وفد غربي نافذ مقابلته في دولة أوروبية قبيل تسلمي منصب الرئاسة في عام ١٩٨٦، وفِي المقابلة طلبوا مني عدداً من القرارات والإجراءات خاصة بعلاقتنا مع بعض دول الجوار، وأكدت لهم استقلالية قرار المؤسسات السياسية السودانية المنتخبة، وتظاهروا بموافقتي لكنهم كذبوا عليّ وقاموا بمحاصرة النظام الديمقراطي.
* يلاحظ وجود توتر في علاقتك مع علي عثمان محمد طه، وهل صحيح أنك اعترضت على توليه منصب زعيم المعارضة لصغر سنه أثناء الديمقراطية الثالثة في البرلمان؟
لم تجرِ علي لساني هذه العبارة مطلقاً، ولم أعترض على تسمية علي عثمان زعيمًا للمعارضة، وأكنّ له كل تقدير، لكن أراد الدكتور حسن الترابي أن يحتكر علاقتنا به شخصيًا، دون تفويض أحد نوابه أو مساعديه، وأراد أن يشوِّش على علاقة المهدية بتلك القبيلة الكبيرة، هذا علمًا بأن للإمام المهدي صلة عميقة وعريقة مع كل قبائل السودان.
* يلاحظ أن عداءً سياسيًا بينك وبين مبارك الفاضل، هل تخشى أن يسحب مبارك البساط السياسي؟
مشكلتنا في السودان أن لنا (اتنين منصور خالد)، واحد أخضر والثاني أبيض. منصور الأبيض هو مبارك الفاضل، وهو يظن في نفسه زعامة شعبية لا يملكها، وقد استخدمه نظام الإنقاذ ضدنا، لكنه فشل في تحقيق مآربه، وهو بطبعه مغامر دون حكمة، ومن مغامراته التي أطاحت به وزعزعت ثقة الإنقاذ فيه، هي أنه أراد من قبل أن يخلق تحالفاً بين الرئيس البشير وجون قرنق ونفسه، مدعيًا أنه يمتلك الشعبية والرئيس يملك الجيش، وأن جون قرنق يمثل جنوب السودان، وذلك من أجل استبعاد الحركة الإسلامية، لكن قيادات نافذة في الإنقاذ حاسبته على هذا التفكير التآمري وأقصته من كرسي السلطة.
* من حين إلى آخر تحدد موعدًا لعودتك إلى الداخل، ما مدى جديتك هذه المرة؟
أنا لم أحدد موعداً من قبل، ومنذ وقت مبكّر قلت إن مهامي في الخارج انتهت، لذلك الآن أنا مستعد للعودة في السادس والعشرين من يناير الجاري.
* هل يفهم من عودتك في هذا التوقيت أنك تتخلى عن تحالفاتك مع الحركات المسلحة؟
لا.. لا أريد أن يفهم من هذه العودة التخلي عن تحالفاتنا، ولا بد أن تكون العودة ذات طابع قومي، وليس كما لو أن لدينا عملاً ثنائياً، وتركنا الأمر لمشاركة الآخرين، وفي النهاية استقر الأمر بأن تكون العودة في السادس والعشرين، باعتباره التوقيت الأنسب.
* هل تتوقع أن ترسل إليك الحكومة طائرة خاصة، أو تسمح بحشود لاستقبالك؟
لا أدري ما ستفعله الحكومة، وحتى الآن أسمع تصريحات متضاربة، كما أنني لا أدري ما إذا كانت تنظر لعودتي بصورة سلبية أم إيجابية، ولكن أوقن أن الحكومة لن ترسل لي طائرة خاصة.
* قلت من قبل إنك لن تعود إلى البلاد إلا ومعك الحركات المسلحة، ولكن يبدو أنك ستعود لوحدك؟
سأدعو من يذهب معي منهم، ولكن هذا كان تصوراً بأن يكون هناك وقف للعدائيات والتطبيع؛ لأن هناك أشياء نسميها (إجراءات بناء الثقة، وكفالة الحريات، وإطلاق سراح المعتقلين، وتبادل الأسرى) وهكذا؛ فكان تقديري، عندما أعود، ستكون هذه الأشياء قد اكتملت، وإذا حدث هذا ستكون الأحكام الصادرة على الناس المعنيين قد أُلغيت، لذلك سيعودون، وإذا لم يحدث ذلك سوف أصطحب معي عدداً في مستوى أقل.
* يفهم من حديثك أنك ستقدم إليهم الدعوة من أجل العودة إلى البلاد؟
على كل حال، سأدعوهم، ويمكن أن يقبلوا أو يتحفظوا، لا أعرف! لكنني سأدعوهم؛ لأنني أعتبر أن هذا سيكون نقلاً للمسرح السياسي إلى الداخل.
قلت أيضًا، في مرة سابقة، إنك ستسلِّم ثامبو أمبيكي رؤية لتقريب وجهات النظر بين الحكومة و”قطاع الشماع”؟
نعم، اقترحنا على أمبيكي خطة خلال زيارتنا الأخيرة إلى ألمانيا، وكان قد جاء إليها عبدول محمد، كبير مساعدي أمبيكي، وسلّمناه رؤى، وإذا تجاوب الطرف الآخر، يستطيع أمبيكي ترتيب لقاء بين الأطراف، ونحن نقول: “مش مستعدين للدخول في أي حوار خارج خارطة الطريق”.
* هل يعتقد الإمام الصادق أن الحكومة أغلقت باب الحوار أمامكم بإجازتها للتعديلات الدستورية واقتراب موعد التشكيل الحكومي الجديد؟
ما أريد أن أقوله بوضوح هو: إذا اعتبرت الحكومة أن حوارها في الداخل هو نهاية المطاف؛ فهذا يعني إخلافها لما وقّعت عليه في خارطة الطريق، وبالتالي، قفل باب الحوار معنا، وسنبحث عن وسائل أخرى لتحقيق مطالب الشعب.
* ماذا تقصد بالوسائل الأخرى؟
مهما كانت تلك الوسائل؛ فإنها ستتجنب العنف، إلا في الدفاع عن النفس، والمدهش أن المعارضة تتحدث عن اللغة السلمية، بينما تتحدث الحكومة وتتوعد بالعنف.
* في تقديرك، إلى أي مدى يمكن للتعديلات الدستورية التي تمت إجازتها مؤخرًا والحكومة الجديدة التي ستتشكل قريبًا أن تحققا تغييرًا حقيقيًا؟
في رأيي أنهما لا يمكن أن تحققا شيئاً؛ لأن نتائج ما تم، يلزم من اشتركوا فيه، ولكن هناك كثيرين لم يشتركوا فيه، بحسب توصيات الحوار نفسها، تلزم بمحاورة الآخرين ممن لم يشتركوا. الآن هم يريدون أن يستغنوا عن رأي الناس الذين لم يشتركوا في الحوار بالاكتفاء بالمشتركين فقط، وهذا خطأ كبير ومتناقض مع التوصيات التي اشتركوا فيها.
* هناك حديث بأنك ستشارك في اجتماع لنداء السودان في باريس قبل عودتك، ما الغرض من هذا الاجتماع وما هي أجندته؟
سأغادر إلى باريس في الخامس عشر من الشهر الجاري، وستكون الاجتماعات من (١٦-٢٠)، ومن الأهداف المهمة توحيد موقف نداء السودان وتوسيعه ليشمل كافة قوى المعارضة، والاتفاق على ميثاق بناء الوطن في المستقبل، والاتفاق على وسائل تحقيق مطالب الشعب المشروعة في سلام عادل وشامل، وتحول ديمقراطي كامل.
* ما الوسائل التي تريدون الاتفاق عليها؟
الوسائل هي حوار وطني باستحقاقاته عبر خريطة الطريق، على طريقة (كوديسا جنوب أفريقيا في ١٩٩٢)، أو تعبئة لانتفاضة على سنة الشعب السوداني في أكتوبر ١٩٦٤ ورجب أبريل 1985.
* هل تعرضت لأي مضايقات من قبل الحكومة المصرية في الفترة التي قضيتها هنا؟
لم نتعرض لأي مضايقات أو مساعدات.
* لكن وزير الخارجية إبراهيم غندور كشف عن تعاون استخباراتي بين مصر والسودان حول المعارضة في البلدين؟
وجودنا عادي، ولا توجد أي تفاهمات على أي شيء، ولا توجد مضايقات معينة، لكن الموقف الأساسي هو أن النظام في السودان ذو مرجعية إخوانية، والإخوان في مصر مصنفون كمجموعة إرهابية، وهذه هي العقبة، ولا توجد طريقة لتخطي هذه العقبة.
* لكن الجانبين “السوداني والمصري” يؤكدان على أن علاقات البلدين في أحسن حالاتها؟
العلاقات الخارجية للسودان فيها قطر وتركيا، والآن سوء العلاقات بين مصر وقطر وصلت درجة غير مسبوقة؛ ففي هذا الواقع، العلاقة ما بين مصر والسودان ستكون فيها مجاملات، ولكن في المسائل الأساسية لن يكون هناك تغيير لهذا السبب.
اليوم التالي