أرجو قرائي الكرام أن تصبروا قليلاً على قراءة الأسطر القليلة التالية تمهيداً للدخول إلى زبدة المقال.
فقد قتل الجنرال يوهانس اوكيج التابع للام أكول (شلك) ومعه عشرات القتلى من قبل قوات رياك مشار (نوير)، وقبل ذلك بيوم قتل قبريال تانق قائد قوات لام أكول في كمين آخر نصبته قوات مشار .. يحدث ذلك بالرغم من أن مشار ولام أكول هما الأقرب إلى بعضهما وكانا قد التقيا في الخرطوم قبل عدة أشهر عندما كان مشار يتلقى العلاج عقب هروبه من جنوب السودان بعد مطاردة مثيرة من قبل خصمه اللدود الرئيس سلفاكير وناقشا التنسيق مع بعضهما البعض لمواجهة خصمهما سلفاكير .
كذلك قتل المئات من قوات الجيش الشعبي التابع لسلفاكير (دينكا) من قبل قوات ما يسمى اللواء الأبيض (نوير) التابعة لمشار كما انسلخ عدد كبير من قوات سلفاكير خلال الأيام القليلة الماضية وانضموا لمشار بحجة عدم صرف رواتبهم، كما أن حوالي أربعة آلاف من النوير توجهوا إلى مشارف مدينة بور مسقط رأس قرنق وعاصمة ولاية جونقلي ذات الأهمية الإستراتيجية والسياسية كذلك فإن الولايات الإستوائية تغلي بالتوتر جراء هيمنة قبيلة الدينكا على تلك المناطق سيما وأن الدينكا يحكمون الجنوب كله بالحديد والنار من جوبا عاصمة الإستوائية الكبرى.
ذلك جزء يسير من مشهد الحرب التي تدور رحاها في دولة جنوب السودان التي تشتعل منذ سنوات بحرب ضروس لم تستثن أياً من ولايات الجنوب.
بالرغم من ذلك أرجو أن أحيلكم إلى ما قاله سلفاكير الذي لا أدري والله العظيم ما إذا كان في كامل قواه العقلية عندما كان يتحدث قبل أيام قليلة خلال احتفالات أعياد الميلاد فقد ابدى الرجل سعادته بالانفصال عن السودان وخروجه مما سماه (بهيمنة العرب والمسلمين)! متناسياً ومتجاهلاً كل ما حدث ويحدث الآن في دولته التي شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة وحتى الآن أبشع وأفظع حرب تدور رحاها في عالم اليوم بعد أن تمزقت وتفرقت أيدي سبأ وتشرد شعبها وفر من بلاده بالملايين باحثاً عمّا يقيم أوده ويسد جوعته ويحقق له الأمن والأمان من الموت (المجاني) الذي ترزح بلاده المنكوبة في نفقه المظلم.
فقد ورد في الخبر أن سلفاكير قال في تلك الاحتفالات ، بدون أن يطرف له جفن : (إن المتشككين لم يتصوروا أن دولته ستخرج من هيمنة العرب والمسلمين في الخرطوم لكنها استطاعت الانفصال عن السودان) ثم أضاف : (إن العالم سوف يحسد الازدهار والسلام الذي سيعم البلاد)!
بربكم ألا يحق لي أن أتشكك في سلامة الرجل العقلية وهو يتحدث عن أن (العالم سيحسد الإزدهار والسلام) في بلاده بالرغم من أنه في تلك الدقائق التي كان يتحدث فيها كان الموت يطحن شعبه طحناً في عدد من مدن وولايات بلاده المنكوبة كما أن الملايين من شعبه يعيشون خارج بلده بعد أن هربوا منه بحثاً عن السلام؟!
(العرب والمسلمين) الذي تحدث عنهم سلفاكير هم مربط الفرس في حرب الجنوب المجنونة وهي العقدة التي ظلت تملأ قلوبهم بالحقد الأعمى الذي أوقد نار الحرب منذ تمرد عام 1955 السابق لاستقلال السودان وذلك كان جوهر خطاب قرنق وأولاده باقان وألور وغيرهما ولا يمكن تجاوز عبارة باقان وهو يغادر السودان عقب الانفصال (باي باي عرب) وعبارته الأشهر (ارتحنا من وسخ الخرطوم) فهل يحق لنا أن نقول للرجل (اللهم لا شماتة) بعد أن غادر دولته إلى أمريكا هرباً من (جنته الموعودة) عقب التنكيل به في جوبا ونجاته بأعجوبة من الموت؟!
أيهما أرحم لك أيها الرجل؟ الخرطوم التي أبغضتها وقلت فيها ما لم يقل مالك في الخمر أم جوبا ؟! أيهما أوسخ .. الخرطوم التي كنت تبرطع فيها كما تشاء وتقول ما تشاء أم جوبا حيث الموت والخراب والدمار والفوضى؟
بالرغم من ذلك خرج علينا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الاتحادي الأصل بعد صمت طويل بتصريح عجيب حيث قال خبر منسوب إليه إنه جدد : (الدعوة لإعادة الوحدة بين السودان وجنوب السودان معلناً التمسك بخيار الوحدة رغم الانفصال ورأى أن الانفصال حتى الآن سياسي)!
الانفصال بالنسبة للميرغني ، رغم الاستفتاء وإجماع الجنوبيين على الانفصال عنّا ، سياسي! والوحدة بالنسبة للميرغني المتنقل بين لندن والقاهرة بعيداً عن الوطن منذ سنوات يجب أن تعود رغم أنف أبناء الجنوب (مش على كيفم)!!! .. يجب أن تعود الوحدة حتى لو كان ثمن ذلك أن يبتلى السودان من جديد بكل حروب ومصائب الجنوب.
بالله عليكم أما كان الأولى بالميرغني البعيد عن الوطن منذ سنوات أن يصمت؟!
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة