* قبل سنوات تعود الى ثمانينيات القرن الماضى، توفى طبيب سودانى يعمل فى بريطانيا ومتزوج من بريطانية، فى مستشفى (لندن كلينيك) المعروفة اثر عملية جراحية لاستئصال اللوزتين!!
* سبب الوفاة كان أسفكسيا الإختناق من نزول الدم الى رئتيه من اللوزتين اللتين نزفتا أثناء نوم الطبيب فى غرفته بعد انتهاء العملية بعدة ساعات، وهذا النزيف هو أحد المخاطر المعروفة لعملية إستئصال اللوزتين!!
* رفعت زوجة الطبيب دعوى قضائية على المستشفى تطلب تعويضا ماليا كبيرا، متهمة لها بالاهمال !!
* خلال جلسات المحاكمة، دفعت المستشفى على لسان الممرضة التى كانت تتولى العناية بالطبيب، بان بشرة الطبيب السوداء لم تمكنها من ملاحظة تغير لون بشرته الى الازرق، وهو اللون الذى يكشف فى اصحاب البشرة الفاتحة عن نقص الاكسجين فيسارع الطبيب الى اسعاف المريض، ولكن بما أن المريض السودانى كان أسود اللون فلم يتيسر لها ملاحظة تغير لون بشرته الى الأزرق حتى تسارع لإنقاذه!!
* انتهز محامى المدعية هذه الاجابة وسأل الممرضة، إن كانت تعرف احتمال حدوث نزيف بعد اجراء عملية استئصال اللوزتين، فاجابت بنعم، وسألها إن كانت تعرف ان الدم يمكن ان ينزل الى الرئتين ويؤدى لحدوث اختناق يسبب الوفاة اذا لم يُسعف المريض، فكانت الاجابة نعم، ثم سألها إن كانت تعرف بان لون بشرة الطبيب سوداء، فقالت نعم، وسؤال خامس :هل كانت تعرف صعوبة رؤية تغير لون بشرته الى الازرق عند حدوث الاختناق بسبب لون بشرته السوداء، فقالت نعم ..هنا فاجأها المحامى قائلا: “ما دمتِ تعرفين كل هذه المعلومات، ألم يكن من الأجدر ان تعطى هذا المريض عناية اكبر ومراقبة لصيقة حتى لا يحدث ما حدث له”، فلم تحر جوابا، وكان من الطبيعى أن تدين المحكمة المستشفى بالاهمال وتحكم لزوجة الطبيب السودانى بتعويض مالى كبير .!!
* أتذكر هذه القصة كلما تحجج أحدهم بعذر واهٍ للهروب من المسؤولية، ولقد تذكرتها عندما قرأت بعض التصريحات لمسؤول رفيع فى الدولة عن ان سقوط حكومة (المؤتمر الوطنى) سيؤدى لسيطرة المجموعات الطرفية المسلحة على السلطة واستباحة البلاد، وقتل كل من ينتمى أولا ينتمى للمؤتمر الوطنى، لذلك فانهم يتمسكون بالسلطة لحماية المواطنين السودانيين من الغزاة القادمين من الاطراف!!
* والسؤال: اذا كان حزب المؤتمر الوطنى يعرف بان سقوطه عن السلطة سيقود الى سيطرة مسلحى الاطراف على البلاد واستباحتهم لها ووقوع ضرر كبير على كل المواطنين بدون فرز، فلماذا يصر على تمسكه بالسياسة التى تقود الى هذا الفعل، بدلا عن محاولة استباق حدوث الكارثة باللجوء الى الانفتاح السياسى، والتخلى عن التشبث بالسلطة، وانتهاج سياسات عادلة تزيل الغبن عن نفوس المغبونين وتحمى البلاد والعباد ؟!
* اذا اعتقد حزب (المؤتمر الوطنى) ان التشبث بالسلطة وممارسة سياسة القمع وكتم الحريات، سينأى بالسودان عن النزيف والموت فهو واهم، والتاريخ البشرى حافل بالتجارب والعظات لمن أراد ان يتعظ !!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة