مدير عام البنك الزراعي صلاح حسن : نحتاج إلى ثلاثة أضعاف عدد السكان لزراعة المساحة المتوفرة

** كنا ننتظر لحوالى ساعة، علينا أن نكون مستعدين لإلقاء أسئلتنا عن الوضع الزراعي في البلاد على إحدى أهم المؤسسات العاملة في مجال توفير الغذاء، بل وإنتاجه، والشريك الأهم بالنسبة للمهنة الأولى على مستوى البلاد، مهنة الزراع والتربالة.. خرج مدير عام البنك الزراعي، صلاح حسن، يتأبط عشرات الملفات في يديه، كان قبل قليل في اجتماع، وقبله في زيارة لمنطقة الحوري الزراعية بالقضارف. في هذه المقابلة، اتجهنا شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا؛ من البذرة حتى أصبحت مطمورة في باطن الأرض.. قضايا التمويل، والتخزين، والكثير الكثير من الرؤى التي ناقشناها. لم يخلُ حسن من صراحة عُرف بها في عهدة جديدة يتسنمها بفريق عمل كان يرافقه في تلك اللحظة التي يزور فيها مدينة القضارف، برفقة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح. في مرات متكررة كان فريق عمله يذكّرونه ويلحون عليه باجتماع آخر ينتظره.
*في المفتتح، سنستفسر عن القضية الأهم وهي قضية التمويل الزراعي وتصوراتكم لها؟
قام البنك الزراعي بتمويل الموسم الزراعي هذا العام بقيمة (2) مليار جنيه حتى تاريخه، ولم يكتمل حتى الآن، حيث ما زلنا نواصل تمويل الموسم الصيفي للحصاد، ما يعني أن سقف التمويل سيرتفع لأكثر من الاثنين مليار جنيه.
*لكن ما يروج الآن أن التمويل يذهب إلى أشخاص محددين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة في ولاية زراعية كبرى مثل القضارف؟
هذا كلام ننفيه جملة وتفصيلًا، حجم التمويل، حتى الآن، في ولاية القضارف فاق الـ(884) مليون جنيه في ولاية القضارف، لعدد لم يتم حصره بعد، لكن التمويل ذهب إلى آلاف المزارعين، ولو سألت فرع البنك الزراعي في (باسندة) فقط، فإن حجم التمويل فيه لصغار المنتجات بلغ (1750) امرأة، موِلن في مشروع تنمية المرأة الريفية، بخلاف (1250) أسرة تم تمويلها في (دوكة)، ومستقبلًا، لدينا مشاريع كبيرة جدًا ننوي تمويلها.
*ما رأيك في ما يذهب إليه البعض بأن حجم التمويل يتم بأرقام فلكية لا تتناسب حتى مع قدرات البعض الإنتاجية؟
لا، على الإطلاق، بدليل أن السداد الآن يشكل نسبة (91 %)، وأي مزارع مُوِل بتمويلات كبيرة يجب أن تتم مقابلته بضمانات قوية جدًا، والتمويل الذي يتم لأي مزارع يُراجع من قبل مراجعي البنك والمراجع العام وبنك السودان، ويجب أن يكون مستوفياً لكل الشروط، فالبنك لديه جهات رقابية تعمل على عدم تجاوز شروط البنك في التمويل، وفي رأيي أنه حديث عارٍ من الصحة.
*لكن هنالك شكوى في ما يتعلق بأجل التمويل نفسه مقارنة مع دول أخرى؟
لا مشكلات.. وعلى الجميع أن يعلم أننا نستورد الآليات بأجل عام واحد، ونمنحها للمزارع بأقساط لمدة خمسة أعوام، فهل يوجد تسهيل أكثر من هذا؟ وفي بالنا جميعًا الحصار الذي تتعرض له بلادنا وليس في البلدان الأخرى، ونحن الآن نمنح المزارع فترة سماح في التراكتر الزراعي تتراوح ما بين خمسة إلى سبعة أعوام، وهنالك تمويل خارجي قادم وبشريات كبيرة سنفصح عنها.
*حملت موازنة هذا العام صيغة التمويل بالعجز.. كيف تنظرون لانعكاسه على الزراعة؟
أهم قطاع يمكن أن يمول بالعجز هو القطاع الزراعي؛ لأنه قطاع إنتاجي، وتصريح وزير المالية عن الإنتاج والإنتاجية وتمويل العجز، يعني أن يتم التمويل للزراعة؛ لأن من ورائها عائد في الصادر.
*هل تعتقد أن هذه السياسة إيجابية بالنسبة لكم؟
في ظل ظروف البلد الآن، (كويسة جدًا)، خاصة أن الدولة تعوِّل على الزراعة، مقارنة مع الموارد الأخرى من بترول، وذهب، لدعم الاقتصاد الوطني، وكل موارد الدولة ستوجه لها.
*كان من المتوقع أن تبادر الدولة برفع رأسمال البنك الزراعي في ظل هذه السياسة الجديدة؟
تمت فعليًا زيادة رأسمال البنك، وأنا أتوقع بنسبة كبيرة أن يتم دفعه خلال هذا العام؛ لأن البنك الزراعي هو واحد من أذرع الدولة في تنمية القطاع الزراعي.
*هناك تمويل يتم على أساس رهن الأرض؟
هذه سياسة استحدثناها لنرفع حجم التمويل للمزارعين؛ فمثلًا، في القضارف وصل الألف فدان إلى حوالى (2) مليار، في الماضي كان التمويل لا يغطي تكلفة حاصدة واحدة، قمنا برهنها الآن لتمويل السقف، ويمكن أن يتوسع العميل في التمويل إذا كان لديه آليات وعقارات أخرى.
*نعود بالسؤال عن موقف السداد ما دامت نسبة التمويل بهذا الحجم؟
فعلًا، بدأ الآن إقبال منقطع النظير على سداد المديونية، بما فيها مديونية العام السابق، الذي بلغت نسبة نجاحه، كحد أقصى، في حدود الـ(60 %)، وهنالك مبلغ معتبر جدا من المديونيات كان قد تمت جدولته كسداد من الموسم الماضي الذي أشرت لكم بانخفاض نسبة نجاحه مقارنة مع الموسم الحالي، والجدولة تمت بشكل خاص لمزارعي القضارف، الآن المزارعون، في إقبالهم الكبير، بدأوا في سداد المديونيات السابقة والحالية، وتسلمنا، فعليًا، من المزارعين أكثر من (600) ألف جوال ذرة في منطقة القضارف فقط.. في قطاع القضارف الذي يمثل تسعة فروع.
*لكن بعض المزارعين ظلوا يتحدثون عن تدني الأسعار مما يقلل من عمليات التحصيل؟
نحن متفائلون جدًا بأن تكون نسبة التحصيل عالية جدًا؛ لأن الإنتاجية حققت (11) جوالاً في الفدان الواحد، بفضل توفير معظم مدخلات الإنتاج في بداية الموسم، ممثلة في الأسمدة والمبيدات والتقانات الحديثة.
*يشتكي بعض المزارعين من تأخر دخول المخزون الاستراتيجي للشراء وتركيز الأسعار؟
نحن بدأنا عمليات الشراء المباشر من صغار المنتجين في ولاية القضارف، لأن مساحاتهم صغيرة، وبعد أن يقوموا بالسداد الكامل للمتعاملين مباشرة مع البنك الزراعي وأي فائض من إنتاجهم، نقوم باستلامه منهم بواقع سعر تركيز (250) جنيهاً للجوال، بالنسبة للآخرين، الآن نعمل في آلية بالتنسيق مع حكومة الولاية ووزارة الزراعة والمالية للشراء المباشر من المنتجين وليس التجار، وبالنسبة لكبار المنتجين، سنقوم بالشراء منهم، لكن عقب أن يصل السداد إلى (2) مليون جوال، لمراعاة ضعف الأوعية التخزينية، ونحن سنقوم بالشراء منهم، لكن ليس الآن.
*في موسم الذروة والإنتاج العالي، كيف استعد البنك لاستقبال كل هذه الكميات، خاصة وأن السعة التخزينية ضعيفة؟
لتلافي هذه الإشكالية، قمنا بطرح عطاء لحفر مطامير في القضارف، بالذات، لاستقبال سدادات المزارعين في محصول الذرة، ومن ثم سنقوم بعمليات الشراء من المنتجين، وليس التجار، وأرجو أن تركزوا على هذه النقطة، وستجري العملية بصورة مباشرة مع المنتجين على الفائض، وسنشتري الكميات كاملة مع من ليس لهم مديونية على البنك الزراعي.
*ظلت المطامير التقليدية مكانًا للهواجس، كونها لا تحفظ لآجال طويلة، مثلما هو في التخزين الحديث؟
في خطة البنك لهذا العام، سنقوم بإنشاء عدد من صوامع الغلال الحديثة جدًا، في منطقة القضارف؛ لأننا نعتبرها من أكبر الولايات المنتجة للمحصول الرئيسي لغذاء المواطن السوداني، وهو الذرة، وأعددنا كل العدة من أجل تنفيذ هذا البرنامج.. أيضًا أعددنا برامج لإنشاء مخازن لتخزين الغلال ومدخلات الإنتاج في مواقع داخل الولاية.
*أنت تتحدث عن المخازن والمزارعون يشكون من ضعف مدخلات الإنتاج وقلتها؟
بالنسبة لتوفير المدخلات؛ فنحن في إدارة البنك الزراعي وفّرنا أكثر من (150) ألف طن سماد يوريا، و(50) ألف طن لاستخدامات القضارف، وبالنسبة للحاصدات فقد قمنا باستيراد (800) حاصدة متوسطة الحجم وذاتية الحركة، وتعمل على حصاد الذرة، وقطع السمسم، وحصاد زهرة الشمس، والدخن، والذرة الشامية، وبأسعار معقولة سنفصح عنها في مؤتمر صحفي الأسبوع المقبل، ووضعنا لها سياسة للتوزيع، لعلمنا التام بالنقص الحاد في الحاصدات والأيدي العاملة لحصاد المساحات الشاسعة التي تمت زراعتها هذا العام.
*وما هي تدخلات البنك الزراعي مباشرة في تسهيل الإنتاج فيما يتعلق بالمدخلات؟
أيضاً قمنا باستيراد (75) ألف بالة خيش، وصلت منها كميات، وما زالت البقية في طريقها إلى الميناء، ودخول هذه الكميات أدى إلى انخفاض أسعار الخيش الذي تم استيراده بواسطة شركات القطاع الخاص بنسب كبيرة، لكن رغم ذلك، فإن القطاع الخاص لم ينزل للسعر الذي يبيع به البنك الزراعي بواقع (6.5) ألف جنيه للبالة الواحدة، والآن أدنى سعر يباع به الخيش ثمانية آلاف ومائة جنيه، وهذا دور البنك الزراعي، وفوق كل ذلك؛ فإننا سنوفر خلال الأسبوع بعد القادم عشرة ملايين جوال بلاستيك لاستلام المحاصيل، سواء كان سداداً أو مشتريات، بأسعار تقل بما يفوق الـ(50 %) لجوالات الخيش، وهي ذات مواصفات عالمية لتعبئة الغلال بصورة عامة والذرة بصورة خاصة.
*في تقارير وزارة الزراعة أشارت إلى أن المساحة المزروعة (42) مليون فدان، وهو رقم متواضع مع حجم المساحات المتاحة؟
في الحقيقة، أن المساحة التي زرعت في الموسم الصيفي فقط (50) مليون فدان؛ لأن الموسم كان ناجحاً جدًا، والمساحة في البلاد، مروي ومطري، (170) مليوناً، ولو أخذنا فقط حجم السكان البالغ (30) مليوناً مع المساحة التي ذكرتها لك، نجد أنها ضئيلة، ولاستغلال هذه المساحة نحتاج إلى ثلاثة أضعاف عدد السكان.
*مع الاستعداد للموسم الشتوي، دائماً يشتكي المزارعون من حجم التمويل، كما هو الحال عند رصفائهم في القطاع “الصيفي والمطري”؟
بالنسبة للموسم الشتوي، قمنا بتمويل (492) ألف فدان قمح في ولايات السودان المختلفة، وما زال التمويل مستمرا، وقد نفوق الـ(500) ألف فدان، وأعلنا عن سعر تركيز (400) جوال، يتم إنتاجها خلال هذا العام، وسيقوم البنك الزراعي بشرائه من المنتج مباشرة، وليس التاجر؛ لأننا نسعى إلى دعم المنتج وليس التاجر، ولدينا آليات وسياسات وضوابط يمكن أن نشتري بها، وسنعرف من خلالها ما إذا كان تاجرًا أو منتجاً.
*نود أن نتعرف على حجم القمح المنتج وتغطيته للاستهلاك المحلي؟
الفجوة في القمح نرى أنها في طريقها إلى الانفراج، فما تسلمناه في الموسم السابق غطى أربعة أشهر ونصف الشهر من حاجة البلاد، ومتحركون لزراعة ما هو أعلى، وقد نصل إلى تغطية (50 %) من حاجة البلاد من القمح.
*ما حجم الاستيراد وكيفيته من سلعة القمح؟
بديهي أن نقوم باستيراد متبقي حاجتنا من السلعة بنسبة (50 %) من القمح، خام ودقيق، وعملنا عطاءات بثمانية أشهر في كل الصحف.

اليوم التالي

Exit mobile version