يطل العام الميلادي الجديد برأسه.. يجن به العالم ويحتفون به أيما احتفاء.. كل على طريقته الخاصة، يستقبلونه استقبال الفاتحين.. باذلين الآمال والتطلعات لغد أفضل.. يخرج بهم من ظلمات الإحباط إلى نور الأحلام الوردية العالية.
يقيمون المهرجانات الفنية والرحلات الترفيهية واللقاءات الأسرية من أجل التواصل الحميم والفرح.
وتجيء معظم الاحتفالات صاخبة يطغى صوتها على صوت الأنين الموجوع للسنة المنصرمة وهي تشد رحالها نحو غياهب التاريخ دون أن نراعي مشاعرها أو نودعها كما يجب.. هذا هو حال الإنسان، يعتني فقط بالذي بين يديه ولا ولاء له. لذلك نبذل نفاقنا الاحتفائي فقط برأس السنة الجديدة متجاهلين عشرتنا الطويلة مع ذيل القديمة بكل تفاصيلها وذكرياتها.. وبين الرأس والذيل والاحتفال.. علينا أن نتذكر أن للعام كذلك أقداما تركض فوق أعمارنا وتركل أيامنا وأحلامنا وتأخذنا بعيدا عن شبابنا الغض وبراءتنا وشكل حياتنا البسيط إلى مراحل أخرى أكثر تعقيد وأشد عنتا وعجزا وقلة حيلة..
تقودنا أقدام العام إلى حيث تنضج تجاربنا وتبهت عواطفنا وتغيب ملامحنا وتهرم أبداننا وتشيخ أعمارنا وتشيب شعورنا وتهدأ مشاعرنا وتضعف أبصارنا وتنخفض أسماعنا وتنام أحلامنا وتموت عواطفنا وتزداد ذكرياتنا جمالا.
وبرغم ذلك الرأس الذي يمد لسانه ساخرا وذلك الذيل الذي يهتز مودعا تبقى الأمنيات الطيبة والعشم الأخضر.
فكل عام والجميع بألف خير.. كل عام والأصدقاء يتشبثون بالوفاء والأعداء يتحلون بالإنصاف.. كل عام والأهل والأقارب يحفظون الوصل والود القديم.. كل عام والمجتمع معافى من داء الحسد والغيرة والغيبة والنميمة والبهتان.. كل عام والبلاد في رخاء ورفاهية تمتع ناظرينا بالخضرة والجمال والنظافة. وتدفئ بيوتنا بالستر والعيش الكريم.. كل عام ورجال الشرطة السودانية في جميع الوحدات يتواصون بالحق وينحازون للشعب.. والشعب يحترم القانون ويتبادل أنخاب الرحمة والإنسانية.. كل عام والصحافة تتمرغ في بلاط الحق والشفافية لنكتب من موقع الحرية غير مدفوعين بسنة أكل العيش وحده دون أن يكون لنا في ما نكتبه متعة وموهبة عسى كلماتنا تنزل بردا وسلاما على قلوب المتعلقين بحبائلنا للوصل. كل عام والمستقبل يشرع أبوابه لصغارنا فيركضون نحوه معانقين الحضارات والعلوم والنجاح.. كل عام وواقعهم الطفولي يتمتع بالبراءة الممزوجة بالنضوج والوعي اللازم ليوفروا الحماية لذاتهم.. كل عام وهم يبذلون لنا البر ويصبحون عونا لنا على الأيام المتكالبة والعجز المتوقع والضعف القادم .
كل عام والحب يسري في عقولنا قبل قلوبنا فتتفتق الأفكار الإيجابية وتمضي الحياة بين المحبين بالقدر الكافي من الاحتمال والاحترام والإخلاص والتعايش والاستقرار والمودة. كل عام والمعلمون والأطباء والمهندسون ورجال الدين والعمال وأصحاب المهن الهامشية والحرفيون وبائعات الشاي يمارسون مهامهم مدفوعين بالتفاني والتجرد والالتزام نحو الوطن والمواطن.
نتوق لعام قادم دون تقشف ولا زيادات مرتقبة ولا دعومات مرفوعة ولا فوارق طبقية ولا تكتلات سياسية ولا انشقاقات حزبية ولا تطرف طائفي ولا جرائم دخيلة ولا ملفات فساد متراكمة ولا أمراض مستعصية.
عام مليئ بالإنجاز والعطاء والنظام والتطور والبني تحتية والوظائف المريحة والمواصلات الوفيرة والأسواق العامرة والأسعار المنخفضة والزيجات الناجحة .
هكذا نحلم كل عام وها نحن ننقل أحلامنا إلى العام الجديد مثلما ينقل الأطفال ألعابهم إلى خزانة جديدة تعجبهم جدا، لعل وعسى أن تكون أقدام العام مترفقة بنا، لا نعلم من أمرها سوى السير على الطرق المعبدة السالكة.. وكونوا بألف خير.
تلويح:
ويا أيها الرجل الذي يخصني… كل عام وأنت اللوعة التي تعتلي بي مدارج الوله.
داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي