شاعر وأغنية وحكاية.. يا بدور القلعة وجوهرا

كنت حينها طالب بالمرحلة المتوسطة بمدرسة 24 القرشي وكانت هناك قهوة تقع عند تقاطع الطريق وكل من يطلب السفر تجده عندها وكنت أحيانا اتسيب من المدرسة وادور حول القهوة لعلني اصادف أحدا من أهلي جاء به الطريق فاحظي ولو بنذر قليل من المصاريف .. ولا ادري كيف كان حظي في ذلك اليوم .. درت عدة مرات وانا اتفرس في وجوه الناس ولعلني لم اجد ضالتي وهممت بالرجوع .. وغفلت راجعا وبعد أن ابتعدت عدة خطوات قابلني رجل شاب يحمل في يده كتيبا بغلاف جميل والرجل ليس من أهلي ولكن له علاقة بالبلد .. فدعاني فرجعت معه وهو كان مغنيا متميزا وخاصه لأغاني الحفيبة .. فجلسنا نشرب شيئا من الشاهي والقهوة واستاذنته لحظتها واخذت منه الكتاب فكان اول ما وقعت عليه عيني :
العيون النوركن بجهرا +++ غير جمالكن مين السهرا
يا بدور القلعة وجوهرا
فكتبتها وقد أعجبتني الكلمات وطلبت من صديقي أن يشرح لي وينطق لي بعض المفردات الصعبة ولم اكن أعرف وقتها أنها من درر أغاني الحقيبة …. ولم أعرف أنها فد أثارت ضجة وأن من وراءها شاعر لا يشق له غبار اسمه صالح عبد السيد الشهير بأبو صلاح ….
كانت العادة في ذلك الزمن الجميل أن يرى الشاعر محبوبته او ملهمته اما في بيت البكاء او بيت العرس .. وده كمان لو كنت محظوظ مش زي جيل اليوم في الشارع في آلبيت في المسرح .. وحتى في بيت العرس مستحيل تشوف ليك بث سافرة متبرجة .. والفرصة الوحيدة إذا قامت دخلت رقصت … وكانت الحفلة في ذلك اليوم في ام درمان في حي القلعة وهو من الأحياء العريقة في وسط ام درمان القديمة وكان الفنان كرومة وكان ابوصلاح من المدعوين لحضور الحفل .. وطبعا والراجح لم يأتي عبثا إنما جاء من أجل أن يرى هذه البدور الملهمة فوقف محتجبا ومتواريا وينظر من طرف خفي ينتظر في لهفة تزول القمر ولعله اوعز للعريس ان يخبر بدور بأن الشاعر ابوصلاح موجود ويريد أن يراك ولعلك تكوني محظوظة فيمجدك في قصيدة من شعره .. ومن من الناس لم يسمع ب ابو صلاخ ؟ فقامت الحسناء وقد تملكها الفضول تنظر لترى ابوصلاح صاحب الصيت والشهرة والمكانة المرموقة .. فلما اقتحمته ببصرها ازدرته عيونها وسخرت من عيونه الصغيرة فقالت : ابوصلاح .. ابوصلاح .. أبوصلاح .. ياهو أبو عيون دقاق ده !!!؟ فما أن سمع ابوصلاح بمقالتها إلا وجاء رده عاصفا في الحال :
العيون النوركن بجهرا
غير جمالكن مين السهرا
يا بدور القلعة وجوهرا
السيوف الحاظك تشهرا
على الفؤاد المن بدري انهرا
أخفي ريدتك مره واجهرا
نار غرامك ربك يقهرا
عالى صدرك لي خصرك ضرا
فيهو جوز رمان جل البرا
الخطيبة وردفك منبرا
الشعور البسطل عنبرا
الصدير اعاطفك فترا
والنهيد باع فينا واشترى
الشعر اقدامك سترا
لقطيبو قلوبنا البعثرا
صيده غيرك إيه الجسرا
تستلم أفكارنا وتأسرا
حال محاسنك مين الفسرا
الثريا الفوق أهل الثري
جارحه صالح كل ما يحضرا
وفي مدينة الجوف ساكنا الضرا
الرشيم والرشمة الخضرا
زي فربع في موية منضرا
هل حبيبي نسى ام لي طرا
يا ام شلوخا عشرة مسطرا
النسايم بالند عطرا
ده الدفق لي دموعي ومطرا
حفلة يا ابوالحاج اتدكرا
ورنة الصفارة اتفكرا
وهبه بي مزيقتو اتحكرا
وكم اطرب افكارنا وسكرا
البدور النارت مسفرا
قاصده تشتري قلوبنا تسفرا
عبد الرحمن دمت بتظفرا
بي نعبم وحقوق متوفرا
وطبعا كانت رسالة قوية من شاعرنا الجميل ابوعيون دقاق والذي اعترف أن السبب في ذلك كان من عيونك يا بدور هي التي جهزت عيوني وسهرتها …. وكيف تجاسرتي على زول في قامتي واستلمتي أفكاري وجعلتني أقع في اسرك لولا جمالك وحسنك والذي بتطابق مع جمال وحسن وبهاء الصيد … وبالتأكيد ابوصلاح وصف البت جنس وصف ما خلى ليها حاجة … وذاعت القصيدة وكانت أغنية الموسم وبسبب هذه القصيدة اندفق الناس دفق على القلعة عرس شديد وكانت بمثابة دعاية مجانية من الشاعر لي ناس القلعة … حتي ذكر أنه لم تفضل بنت في القلعة بلغت سن الزواج ولم تتزوج في ذلك الوقت … واخيرا التقى هرم الجزيرة والسودان كلو الموسيقار الاستاذ محمد الأمين مع عملاق الحقيبة ابوصلاح فتدفقت شلالات الجمال والفن والإبداع فالرحمة والمغفرة لك شاعرنا الفذ ابو صلاح والتحية لك أيها النهر الخالد ود اللمين .. ودمتم بخير .
حاشية : الأدب العربى حافل بالوصف الحسى وما قاله امرؤ القيس فى معلقته يفوق حد الحياء فلا تلومونى على النقل .
أحمد بطران
قصصك حزينة
وقفلت راجعاً وليس غفلت يا معلم