استولت على النقد المخصص لاستيراد الدواء شركات الدواء الوهمية.. “السلطات” تزيح النقاب عن المتهمين

في سياق محاصرة العابثين بالدولار المخصص من بنك السودان المركزي لاستيراد الدواء، قررت لجنة التحري نشر إعلان للبحث عن أربعة متهمين، لهم علاقة بالشركات البالغة (34) شركة والتي أشيع أنها استولت على النقد الأجنبي، دون أن تقوم باستيراد الدواء. وذلك بعدما ثبت للجنة التحري أن المتهمين الأربعة أخفوا أنفسهم، وعليه قالت إنها ستطالب المواطنين بالمساعدة في إلقاء القبض عليهم.

ووصفت اللجنة المتهمين الأربعة الذين قررت نشر صور ومعلومات عنهم بالصحف اليومية، بأنهم يشكلون ضلعاً أساسسياً في القضية، وتربطهم ببعضهم البعض علاقات مباشرة استخدمت في تحويل مال مخصص لمصلحة عامة في منافع شخصية.

واستندت اللجنة في قراراتها على نص المادة (78) من قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بالاختفاء المتعمد للحيلولة دون تنفيذ العدالة.

توعد برلماني
وكان المجلس الوطنى تنبأ بهروب المتهمين مع تفجر القضية وظهورها علناً في وسائل الإعلام. وأكد نائب رئيس لجنة الصحة بالبرلمان صالح جمعة فى وقت سابق بضرورة ملاحقة المتورطين فى نهب تلك الأموال بالبوليس الدولي “إنتربول” حال هروبهم إلى الخارج، بيد أن تنبيهات صالح ربما تكون تسببت في اختفاء المتهمين في تبديد مال عام موجّه تلقاء صحة المواطن.

ضعف الرقابة
اعتبر اقتصاديون ومراقبون هروب المتهمين في قضية الاستيلاء على أموال استيراد الدواء بأنه دليل على ضعف الرقابة من الجهات المختصة، بالرغم من تحريض الخبير الاقتصادي د. محمد الناير بعد اكتشاف المخالفة حينها بضرورة اتخاذ إجراءات مشددة لتفادي تكرار المخالفة، مع فرض العقوبات الرادعة بحق المخالفين والمتلاعبين ليكونوا عظة لمن يريد التلاعب بأموال الدولة مستقبلاً، باعتبار دور الدولة المحوري في حماية المواطنين.

يقول الناير في تعليقه على هروب متهمين في قضية أموال استيراد الدواء، إن ما حدث ينم عن فوضى في سوق الدواء من جراء غياب الدور الرقابي للدولة، منبهاً على أهمية قيام دور مجلس الأدوية والسموم بدوره كجهة خاصة بالرقابة في مجال الأدوية.

تهديد جديد
بالرغم من التهديد والوعيد الذي أطلقه نائب رئيس لجنة الصحة بالمجلس الوطني صالح جمعة في وقت سابق ضد المتورطين في قضية أموال الأدوية وملاحقتهم بالإنتربول “البوليس الدولي” للقبض عليهم حال هروبهم، عاد جمعة مرة أخرى ليقول لـ(الصيحة)، إن لجنة الصحة لن تتوانى عن ملاحقة أصحاب الشركات الهاربين من العدالة حتى يتم القبض عليهم واستيراد المبلغ المنهوب، مؤكداً متابعة لجنته التحري مع السلطات الأمنية والعدلية عن كثب، مع مساندة لجنة التحري فى عملها بالعمل على ملاحقة الهاربين، معتبراً أن الأمر قضية دولة الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات غير رسمية بجانب العدلية، وقال جمعة إن عدداً من الشركات المتورطة تخضع الآن إلى المساءلة القانونية.

قنوات نافذة
توقع مدير الإدارة العامة للتوزيع بالصندوق القومي للإمدادات الطبية د. شهاب علي صديق في حديثه مع (الصيحة) أن تكون الشركات التي استولت على أموال استيراد الأدوية تابعة لقنوات تعمل في مجال تزوير الأوراق والمستندات، ولها تعاملات مع المجلس القومي للأدوية والسموم وبنك السودان بصورة مستمرة حتى بلغ مرحلة الاستيلاء على تلك الأموال بصورة غير قانونية وغير شرعية، وأبدى صديق استغرابه من حدوث هذا الأمر بالرغم من أن مجمل الشركات التي تعمل في مجال استيراد الدواء مسجلة لدى المجلس القومي للأدوية والسموم، وقال: لذلك من الغريب وجود شركات وهمية في سجلات المجلس، منوهاً إلى أن الشركات التي تسئ استخدام النقد الأجنبي المصدق لها لاستيراد الدواء يجب أن تتمّ محاسبتها وفقاً لقانون النقد الأجنبي باعتبار الأمر إهداراً لأموال الدولة، ما يستدعي التعامل الحازم.

وتطبيقاً للقانون ضد الشركات الوهمية طالب مدير الإدارة العامة للتوزيع بالصندوق القومي للإمدادات الطبية، شهاب علي صديق بسحب الترخيص من تلك الشركات كأقل عقوبة يمكن تطبيقها حالياً، على أن يتواصل التحري في القضية لكشف التزوير الذي تعاملت به الشركات متوقعاً وجود أختام مزورة منحت للشركات من قنوات بعينها.

واقع مرير
يقول شهاب لـ(الصيحة) عن قضية شركات الأدوية الوهمية إنه بإحصاء آثار الاستيلاء على أموال الدواء يظهر بوضوح الشح في القدرة على توفير الأدوية من جراء تحويل غرض الأموال المخصصة لشراء السلع المهمة إلى أغراض أخرى، ذلك في ظل الشح الكبير في النقد الأجنبي بالبلاد إثر الأزمات الاقتصادية التي تلت انفصال الجنوب بثلثي آبار النفط، ولم يستبعد وفاة مرضى بسبب تلك المخالفات خاصة فى وجود وكيل واحد لعدد من أصناف الدواء الأمر الذي يؤدي إلى انعدامها.

سلعة ذات خصوصية
من جهته اعتبر مدير صندوق الدواء الدائري د. حسن بشير فى تصريح لـ(الصيحة) أن الدواء سلعة تختلف عن السلع الأخرى، مشدداً على ضرورة أن يأخذ القانون مجراه، وقال إن الأموال التي تمّ الاستيلاء عليها في الفترة الماضية خصمت من وفرة الدواء، وإذا تم توجيهها لتوفير الدواء لكانت قامت بتحديد أسعار مناسبة للسلعة ودعمت الوفرة الدوائية، وأكد أن الخطوة خصمت من سوق الدواء، وتوقع في حال استرداد الأموال المسلوبة من قبل الجهات العدلية ألا يتم توجيهها إلى توفير الدواء حسب القرار الأخير لبنك السودان بحجب عائد النسبة المخصومة من الصادر والمحدد بنسبة 10%، مبدياً تحسره على إلغاء القرار قبل استرداد الأموال المخصصة لصالح الدواء، داعياً وزارة العدل وبنك السودان لتوجيه التهم للشركات المعنية ومحاسبتها حتى يأخذ القانون مجراه.

أموال طائلة
وكان مدير صندوق الدواء الدائري أكد لـ(الصيحة) في وقت سابق أن المبالغ التي تمّ الاستيلاء عليها بلغت (100) مليون درهم، وقال إنها تؤثر على وفرة الدواء مقارنة بمجمل القيمة النقدية التي يوفرها بنك السودان والمقدرة بقيمة (30) مليون دولار معتبراً أن الفجوة التي يمكن أن تحدثها خطوة الاستيلاء على النقد الأجنبي تقدر بنسبة 9ـــ 10%.

وأصدر بنك السودان المركزي، في يونيو الماضي، منشوراً حظر بموجبه (34) شركة أدوية من التعامل المصرفي كلياً لمخالفتها المنشور الخاص باستغلال نسبة 10% من الصادرات غير البترولية المخصصة لاستيراد الأدوية في أغراض أخرى غير استيراد الدواء.

وأوضح منشور البنك المركزي أن الحظر على الشركات يشمل التعامل المصرفي مع كافة البنوك والمؤسسات المالية (حظراً كلياً).

الخرطوم: إبتسام حسن
صحيفة الصيحة

Exit mobile version