ومشى معنا (العنب)!!

*عزيت سائق تاكسي المطار في وفاة هيكل..

*عزيته بأثر رجعي بما إن وفاته مضى عليها زمن..

* فإذا به يخفض صوت المذياع ليسألني ببراءة (مين يا فندم؟)..

* فطلبت منه رفع الصوت مرة أخرى لتجلجل أغنية لم أفهم منها سوى كلمة (مهلبية) ..

* زوج صاحبة العمارة تحدثت معه عن فقد مصر لأنيس منصور ..

* فأجابني قائلاً (بس أنيس ما متش يا باشا، هو حي)..

* وفي أيام دراستنا الجامعية كان الدكتور عاطف عراقي يتخوف من انهيار ثقافي بمصر ..

* وسبب تخوفه هذا ذيوع شهرة عدوية في أعقاب عبد الحليم حافظ ..

* لم يكن يستوعب كل هذا الهبوط للذائقة الغنائية..

*هبوطها من علو (بتلوموني ليه) إلى حضيض (سلامتها أم حسن)..

* وما كان يدري أن عدوية قياساً لآخرين من بعده (سيد درويش)..

* ومن الآخرين هؤلاء ذاك الذي لم استوعب من صخب غنائه سوى كلمة (مهلبية) ..

* أما أغرب ما سمعته بالقاهرة إلى الآن أغنية كلها (عنب) ..

* فمقدمتها عنب، ووسطها عنب، وخاتمتها عنب ..

* وكلمة العنب تتردد فيها بقدر أعداد السيارات التي تزحف كما النمل على الشوارع ..

* وإن كانت القاهرة صُنفت – سابقاً- خامس أكثر عاصمة ضجيجاً فلا أعلم ترتيبها الآن..

* فتلوثها السمعي بلغ حداً لا ينقصه الصياح بـ(العنب) بين جنباتها ..

*وسائق أجرة أطلب منه توصيلي إلى مكتبة (مدبولي) ..

* فينظر إليّ ببلاهة لأتركه وأطلب من ثانٍ ، ثم ثالث ، ثم رابع ..

* وكلهم – والله العظيم – لم يعلموا موقع مكتبة مدبولي هذه ..

* أما أنا فقد علمت ما آل إليه (موقع) مصر الثقافي مصداقاً لنبوءة عاطف العراقي ..

* فقد كان يكثر من ترديد عبارة (على الله توقف عند حد انسح اندح امبو)..

* و(على الله)- الآن – (توقف عند حد القشطة والمهلبية والعنب) ..

* وعودة إلى مكتبة مدبولي أقول إن السائق الخامس كانت إجابته (ماشي يا باشا) ..

* فلما جلست بجواره وانطلقت السيارة عرفت أنه يريد أن (يمشي) أمره فقط ..

* فما أن (مشينا خطوتين) حتى دمدم قائلاً (بص يا فندم، أنا ح أوصلك حتة المكتبات)..

*ثم ينفث مع دخان سيجارته عبارة (وتدور ع راحتك هناك بقى) ..

*ومشى معنا (العنب.. العنب.. العنب !!!).

صحيفة الصيحة

Exit mobile version