العبارة واضحة، تشرق الشمس هناك ويشرق النور وتبقى الشمس ساطعة وهى تميل وتسطع حتى لحظات الغروب ثم لا تلبث أن تتوارى حتى تشرق من جديد فى قرية الملم الراقدة على سفوح جبل مرة.
تلك لعبارة واضحة أيضاً أي نأخذ من ضوء الشمس نهارا طاقة كافية نضيئ بها الدنيا ليلا.
نحن هناك فى خط الإستواء حيث تسطع الشمس وتتعامد إثنتى عشرة ساعة تقريبا فى اليوم وذلك يعنى أن بمقدورنا أن ننتج من المتر المربع الواحد طاقة كهرباء تتراوح بين 800 إلى 1000 واط حسب تقدير مهندسى الطاقة الشمسية وياله من حقل منتج.
ظل الأمر يشكل لى حلما كبيرا منذ طفولتى. لماذا تعيش قرانا ظلاما داماس فى الليل؟
تحول ذلك الحلم إلى هاجس كبير عندما إحترقت يدى فى القرية وأنا أبحث عن نور!!!!!!
كنت صبيا أبلغ من العمر تسع سنوات أذاكر دروسى فى ساحة بيتنا فى الملم على ضوء “مسرجة” وهى فتيل زجاجى بداخله شريط قماش مملوء بغاز الكيروسين.
سقطت “المسرجة” على يدى اليمنى وإنصب الكيروسين على جلبابى وإشتعل الحريق ليحرق جزءا كبيرا من ذراعى اليمنى وكاد الحريق أن يلتهمنى لولا تدافع والدتى والجيران وتمكنهم من السيطرة على الحريق.
ترك الحريق علامة فى يدى ظلت تحفزنى كلما أنظر إليها إلى بحث سبيل يمكننا من تبديد الظلام وإنارة القرية.
اليوم وبعد حوالى أربعين عاما من تللك الحادثة أنظر إلى علامة الحريق فى يدى فتغمرنى السعادة بدلا عن الخوف.
لن يحترق تلميذ فى الملم يحاول إستذكار ودروسه بل أصبح التلاميذ يذهبون إلى مدرستهم ليلا وهى شعلة كبيرة من نور يستذكرون دروسهم على ضوء كهرباء مجلوبة من الشمس وكذا الحال يستطيع مستشفى الملم الريفى إجراء عمليات فى أى ساعة من ساعات النهار والليل فطاقة الشمس لا تحدها حدود.
عندما زرت الملم أول مرة عام 2011 منذ خروجى منها عام 1993وجدتها خربة أشلاء قرية فبدأت أحلم بعودة الروح إليها وصدقت أحلامى فقد ظللنا أبناؤها برغم مشاغلنا نعمل ليل ونهار لترجمة تلك الأحلام فصدقت حلما تلو الآخر ثم كبرت أحلامنا وستصدق تلك الأحلام الكبيرة بحول الله.
فى أكتوبر الماضى كنت أعبر صحراء نيفادا فى ولاية نيفادا قاصدا مدينة “سان دييجو” فى ولاية كالفورنيا.
عند إقترابنا من Death Vally “وادى الموت” لفت نظرى نور جهير، أعمدة عملاقة تلفت النظر بنورها الجهير فى عز النهار، يرقد تحت الأعمدة بساط أزرق اللون يمتد عشرات الأميال.
سألت أحد زملائى عن المشهد فأجابنى إنها محطة Nepton أكبر محطة فى العالم لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وجدت نفسى أصرخ يالله مجرد ألواح وبطاريات وأعمدة تحول ضوء الشّمس إلى كهرباء يستطيع الإنسان نقلها حيثماء شاء وإستخدامها حيثما شاء ثم أدركت أن كلمة واحدة فقط هى التى فصلت بيننا وبين محطة Nepton والكلمة هى “تفكير” أو هكذا يبدو لى على الأقل.
ذلك ما نقلناه إلى قريتنا الصغيرة الملم ونسعى إلى نقله حسب إستطاعتنا إلى أهلنا فى دارفور.
دفعنا مشروح الطاقة الشمسية إلى حلم آخر وهو إستخدام طاقة الرياح wind Energy فحسب دراسة أجريناها إتضح أن الملم من أفضل الأماكن بعد جبل مرة فى حصاد طاقة الرياح والأمر فى غاية البساطة يعتمد على سرعة الرياح والتى تزداد فى المناطق العالية فجبل مرة يتميز بإرتفاعه أما الملم التى تقع فى تحت سفح الجبل تشكل نقطة الإتفاع الأولى فى مدرج الصعود إلى الجبل وهى تتميز بتوفر مساحات مكشوفة كبيرة وتلال تسمح بمرور الهواء مما يوفر دفعا ممتازا للتوربينات فتدور ومن دورانها تتولد الطاقة.
كل سنة وأهلنا هناك طيبين وحتما ستطيب حياتهم طالما أحاطوها بالتكنولوجيا والإبتكار.
بقلم
لقمان أحمد