لفت الكاتب الصحافي سامي كليب في مقال نشر بصحيفة “السفير” الى انه مع مشارفة العام الحالي على نهايته، يكون هدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة قد انتهى.
وتابع كليب “اذا كانت بعض الأصوات لا تزال تتحدث عن الرحيل المنشود والموعود، فإنها تبدو بعيدة كل البعد عما يدور في كواليس السياسات الدولية والإقليمية. ها هي الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تقول بصراحتها المعهودة: “لم يعد هناك مَن يتحدث عن رحيل الرئيس الأسد الا المعارضة الأكثر تشددا أي المتطرفون والارهابيون”.
الى ذلك لفتت المعلومات الى انه في خلال الاجتماع الوزاري الأوروبي العربي الأخير في القاهرة، تبين أن الموقف المصري بات قريباً جداً من الموقف الرسمي السوري.
فقد شدد المسؤول المصري الرفيع الذي كان يشارك في لجنة صياغة البيان النهائي، على انه لا بد من وضع بند يؤكد على شجب الإرهاب وداعميه، وقال: “ان الذين يتباكون اليوم على حلب، كان عليهم ان لا يدعموا كل هذا الإرهاب ويمولوه في حلب”. تناقض موقفه هذا والمدعوم من دول عربية كالجزائر والعراق مع مواقف سعودية وقطرية في الاجتماع المذكور.
اما أوروبياً فيستعد الاتحاد الاوروبي لعقد اجتماعات منفصلة في الثلث الأول من الشهر المقبل، مع ممثلي الدول الأقليمية المعنية بالحرب السورية، أي تركيا وايران والسعودية ومصر والأردن ولبنان، وذلك بغية البحث عن الخطوط الحمر لكل دولة ومعرفة ما هي القواسم المشتركة التي يمكن توفيرها في سياق الحل السياسي.
وسيتم طرح مجموعة من الأسئلة على هذه الدول وأبرزها: كيف يمكن الحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السورية؟ كيف يمكن ضمان الحفاظ على المؤسسات بما فيها القوى العسكرية والأمنية لكن مع إصلاحها بحيث تعمل بإشراف قيادة مدنية يختارها الشعب ويحاسبها؟ كيف يمكن طمأنة كل مكونات الدولة حيال مشاركتها على نحو كافٍ وحمايتها؟ كيف يمكن تنسيق كل جهود إعادة إعمار سوريا بنجاح وتقاسم أعبائها حين تتوفر إمكانية الانتقال السياسي؟ كيف يمكن تفادي تحويل سوريا المقبلة الى جنة للارهاب؟ أي نظام سياسي هو الأصلح للمرحلة المقبلة، رئاسي أم برلماني ام مشترك بما يؤمن تمثيل جميع المكونات السورية؟
ويعتقد الاتحاد الاوروبي، وفق ما اشار اليه المقال، أن البحث في المستقبل النهائي لسوريا يساهم في تسريع خطوات الحلول الموقتة المتعلقة بانهاء الحرب وصد الإرهاب والمصالحات والمساعدات الانسانية واغاثة المنكوبين وغيرها.
وفي السياق التركي فقد أدى اغتيال السفير الروسي في أنقرة الى رفع مستوى القلق الشخصي عند الرئيس رجب طيب أردوغان ومستوى شعوره بأن شيئا ما يُحضر ضده إقليميا وأميركيا. هذا الاغتيال الذي جاء بعد أشهر قليلة على محاولة الانقلاب الفاشلة، دفع أردوغان أكثر للبحث عن تعزيز علاقاته بروسيا حتى ولو أدى الأمر لاحقا الى تغييرات جوهرية في سياسته السورية.
الى ذلك اشارت المصادر الروسية الى ان التفاهمات التركية الروسية التي تكثفت منذ أشهر وتضمنت تطوير العلاقات التجارية والنووية شهدت بعض اللقاءات في بيروت، كما تخللها فتح بعض القنوات السورية التركية التي قد تتطور الى شيء ملموس في الربيع المقبل.
اما دولياً فالجميع ينتظر أي سياسة سينتهج الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وهل سيمضي في ما أعلنه لناحية حصر العداوة بـ “داعش” والإرهاب وليس بالأسد. لكن الرئيس فلاديمير بوتين ليس جالسا في مكتبه ينتظر ما ستقرره واشنطن. هو طوَّر اتصالاته في اتجاهات عدة مؤخرا: ففي الداخل السوري، يكثف رعاية المصالحات التي يأمل الروس أن تفرز شخصيات عسكرية وسياسية من المعارضة والمقاتلين تشارك في المفاوضات المقبلة مع ممثلي الدولة السورية. وفي الخارج، يتواصل مبعوثون روس مع قيادات عربية وخليجية بغية توفير غطاء أوسع لأي مفاوضات مقبلة قد تبدأ في كازاخستان وتستكمل في جنيف.
وفي سياق متصل تشير التوقعات الى ان الزلزال الذي وقع بعد استعادة حلب غيّر الكثير من المعطيات العسكرية والسياسية. ربما لم ينل هذا الحدث العسكري والسياسي الهائل حقه في التحليل ذلك أنه شكل فعليا بداية الخروج الحقيقي من نفق الحرب. مع ذلك فإن الذين ربحوا معركة حلب لم يُغالوا في تصويرها على أنها نهاية الحرب. فالرئيس الأسد الذي اعتبر ما حصل في حلب يشكل انتصارا لسوريا وايران وروسيا، كان قد أكد أن ربح هذه المعركة “لا يعني نهاية الحرب”. كذلك الأمر بالنسبة للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي قال: “إن انتصار حلب يعني أن خيار إسقاط النظام في سوريا قد فشل، مع أنها ليست نهاية الحرب”.
وتابع كليب :”الواقع أن بوتين كان يريد الذهاب سريعا بعد حلب الى دير الزور وتدمر وغيرهما واستكمال المعركة، لكن يبدو ان الخيار الايراني السوري هو الذي اعتُمد لجهة “تثبيت المواقع وتأمين المدن الكبرى وعدم الاستعجال في الباقي”، وذلك لأسباب عدة أبرزها: تجنب تكاليف بشرية، ومنح المصالحات وقتا أطول، وانتظار مآلات الأمور الدولية ومسار المصالحات، مع الاستمرار طبعا في التجهيز العسكري.”
ولا شك ان التفاهمات الروسية الايرانية مع تركيا كانت مهمة جدا في الفترة الأخيرة، لكن ثمة خلافا جوهريا بين انقرة وطهران بشأن الحشد الشعبي في العراق. هذا ما جعل الأتراك يزجون باسم “حزب الله” في الحديث عن التنظيمات الإرهابية في سوريا. ولعل هذا ما يفسر تصعيد هجوم السيد نصرالله على أنقرة، كما يفسر لغة الوعيد التي أطلقها وزير الدفاع الايراني حسين دهقان قبل يومين ضد تركيا، معتبرا أن قواتها في سوريا قوات احتلال وطالبها بالانسحاب.
اما دمشق فتبدو بحسب الكاتب مطمئنة جدا لحليفيها الروسي والإيراني، ولا مانع لديها من الدخول في حوار مع معارضين، لكن يبدو أن القيادة السورية وحلفاءها قد بدأوا يتصرفون على أساس أنهم كسروا المحور الآخر وانهم حاليا بصدد قطف الثمار، وهم بالتالي غير مستعدين لتقديم أي تنازلات جوهرية. هذا هو السبب الذي دفع أميركا للحديث أولا عن ارسال صواريخ مضادة للطائرات الى المقاتلين، ثم التراجع حين سمعت موسكو تقول ان مثل هذه الاسلحة يعني تهديدا لقواتها.
من المرجح في المرحلة المقبلة، البحث عن ديكور تفاوضي يعزز بقاء القيادة السورية ويحفظ ماء وجه الآخرين.. لكن كل شيء سيكون مرهونا بمدى تقارب وتعاون بوتين وترامب أو تنافرهما تحت ضغط اللوبيات الكثيرة ضد الرئيس الأميركي.
أما لبنان الذي يستهل منه الرئيس ميشال عون زياراته الخارجية الى السعودية ثم قطر فمصر والأردن (وفق آخر المعلومات)، فانه لا يزال في دائرة الخطر. نقلت مصادر مصرية عن الرئيس عبد الفتاح السيسي تحذّيره وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل من أن بعض الإرهابيين الذين هربوا الى تركيا قد ينتقلون الى لبنان. معروف ان في انقرة قانونا يخيّر أي مسلح قادم من سوريا باختيار البلد الذي يريد التوجه اليه وليس تسليمه الى دولته. هكذا حصل مع الإرهابي الذي تم إبعاده الى هولندا، فركب القطار وذهب الى بروكسيل ليفجّر مطارها.
الجديد