تمايلت السيارة شمالاً ويميناً وأحدثت صوتاً منكراً حين ارتطمت بالمطب الذي نصب على شارع الأسفلت مقابل سلاح الإشارة بكوبر .. حدث ذلك ليلاً ولذلك لم أر المطب لأتحسب له (وأزوغ) منه .. حتى قبل فترة قصيرة لم يكن ذلك المطب اللعين موجوداً ولكن جهة ما قررت فجأة أن تبنيه ولا أظن أنها استأذنت أحداً قبل أن تفعل ذلك.
هذه الظاهرة غير الحضارية التي يتفرد بها السودان ودعنا نضيف إليها الشوارع المحفرة التي يمضي عليها شهور أو سنوات بتلك الحال لا تقتصر الخسارة المادية الناتجة عنها على أصحاب المركبات التي تفقد يومياً من قوتها وتتزايد وتيرة إهلاكها إنما هي خسارة قومية بالنظر إلى أن الدولة تفقد عملة حرة في استيراد قطع الغيار التي تستورد لإصلاحها وتخيلوا مقدار ما نفقد جراء بؤس شوارعنا (المحفرة) على مستوى السودان كله.
تواردت عليّ هذه الخواطر وقد عدت من تونس الخضراء التي أمضيت فيها حوالي أربعة أيام ورايت ما أدهشني .. دولة قليلة الموارد وأصغر في مساحتها من معظم ولايات السودان لكنها – ما شاء الله – كأنها قطعة من أوروبا جمالاً وتنظيماً وتحضراً وشوارع صنعت لتبقى مائة سنة ، لا تكاد تجد فيها (حفيرة) بقدر حبة التمر لأنها بنيت بمواصفات عالمية وليس بمواصفات قرية … (لا داعي للتمثيل حتى لا يغضب أهلها) ولأن الاستشاري لا يستلمها من المقاول قبل أن يستوفى الرصف بنسبة 100 % .. وليس كما يحدث عندنا يا وزارة التخطيط العمراني أو البنى التحتية. الأمطار تهطل أياماً أحياناً ولا ترى لها أثراً في الشارع بعد دقائق معدودة ولا داعي للمقارنة تجنباً للإحراج ! .. زرتها بعد غياب منها امتد 15 سنة فوجدت تغييراً هائلاً في العمران والتحضر والجمال فحزنت وغبطتهم ولا أقول حسدتهم.
لن أنسى أن سيارتي كادت تنقلب قبل نحو قبل سنتين تقريبا حين طارت .. نعم طارت (عديل كده) – ولولا ستر الله ولطفه لانقلبت – وهي ترتطم بمطب كبير في الشارع العريض الذي يقود من الشهيد عبيد ختم متجهاً شرقاً نحو مستشفى رويال كير .. الحمد لله أنه – وآخر ليس بعيداً منه – أزيلا بعد أن فتكا بالمركبات فتكاً وتسببا في كثير من الانزلاقات الغضروفية.
للأسف فإن ظاهرة المطبات التي يقيمها بعض الناس أمام بيوتهم لحماية أطفالهم من العربات ، رغم أنف السلطات المحلية ، لا أظنها تحدث في غير السودان فقد زرت عدداً كبيراً من بلاد الدنيا ولم ألحظ تلك الظاهرة إلا في بلادنا وتتفاقم المشكلة مع الظلام الدامس الذي يغمر شوارعنا – خاصة بعد تحرير سعر الكهرباء.
للأسف فإن من يفعلون ذلك السلوك البدائي لا يكترثون للمضار التي تنشأ عن فعلهم فلو حسب مقدار التخريب والإهلاك الذي يلحق بسيارة يضطر صاحبها إلى قيادتها كل يوم بشارع محفور أو به مطب وعلى مدى أشهر أو سنوات في عمر تلك السيارة أو من حيث الخسارة المادية لبلغ ذلك الكثير أما الخسارة القومية فشيء آخر .
والي الخرطوم تحدث في مؤتمر صحافي عن أن الولاية بصدد تنظيم حملة لإزالة المظاهر غير الحضارية في محليات العاصمة وتعرض لكثير من المظاهر السالبة وغير الصحية وحدد فترة زمنية لتطبيق تلك الحملة ولست أدري ما إذا كان ذلك الأمر قائماً حتى الآن أم طواه النسيان.
السلطات الصحية في الولاية علقت لافتات كبرى في الشوارع العامة تحذر من تناول التبغ والتمباك الذي كثيراً ما تقام محاله في الأماكن المزدحمة وبالقرب من المطاعم بينما ترخص المحليات تلك المحال – لزوم تحصيل عائد التصديقات – بدلاً من أن تضيق الخناق عليها وتقلل عددها حتى ولو بالتدريج .
كثر الحديث عن ظاهرة ستات الشاي اللائي أوشكن أن يسددن الشوارع من كثرتهن فهي المهنة التي لا تحتاج إلى أكثر من كانون وكفتيرة ودستة كبابي وطرف شارع حتى ولو على بعد خمسة أمتار من ست شاي أخرى.
هذه الظاهرة وبائعات الكسرة والله العظيم لم أرها في غير السودان رغم أني طفت عدداً من الدول الأفريقية.. الكسرة تباع في العراء من بائعات يتغيرن كل حين ولا يخضعن لشروط صحية رغم الأمراض المعدية كالكبد الوبائي والسل والأيدز والحديث الكثير عن مخدر (الخرشة) التي تباع مع الشاي وممارسات أخرى لا أخلاقية في عاصمة المشروع الحضاري لا داعي لذكرها .
كثر الحديث عن تنظيم هذه المهن التي ، لا يمنع التعاطف مع من يمتهنها لإعاشة أسرهن ، من تنظيمها على غرار ما تفعله بقية الدول الأخرى.
المظاهر غير الحضارية كثيرة ولا يسع المقال لطرحها وربما أتعرض لها مرة أخرى إن شاء الله.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة