شذاذ الآفاق، لا يعملون إلا فى الخفاء، فهم كالخفافيش

تكاد القوانين المتاحة قادرة على تلبية مطلوبات الحرية ، لتمارس على أوسع نطاق ، فقانون الصحافة يتيح إصدار الصحف ، وقانون الأحزاب يسمح بإنشاء الأحزاب ، وحرية التعبير أراها متاحة فى المنابر العامة ، والندوات السياسية ، وأعمدة الصحافيين ، وآراء الكتاب ، ومجالس المدينة ، وفيما لو تمت الممارسة للحرية وفقاً لما أشرت إليه من نظم ، وقوانين ، فإن ذلك سيفتح المجال نحو الثراء الفكرى ، والتبادل الموجب للآراء ، والحوار المنتج للأفكار ، والذى يقود نحو معالجة المشكلات ، ومواجهة الأزمات .

v والذين يمارسون الحرية خارج هذه الأطر المذكورة آنفاً ، قد يعتقد بعضهم بأن المساحة التى تكفلها القوانين للحرية ، وإبداء الرأى ، ليست مساحة كافية بالرغم من تمتع الغالبية بها ، وقناعاتهم بأنها أفضل بكثير من مساحات ضيقة فى مجتمعات لنا مجاورة ، أدت إلى خنق الرأى ، وإيداع المعارضين فى السجون .

v والغريب فى الأمر ما أسموه بالعصيان المدنى ، وحدد له تاريخ ، وصدرت بشأنه بيانات ، ومطالبات ، ودعوة للشعب السودانى ، قد فضل مناصروه أن يمارسوا سلوكهم السياسى ، بعيداً عن المنابر المشروعة التى كان بالإمكان الولوج من خلالها ، كما فعل البعض بإبداء وجهات نظرٍ أقرب إلى تأييد تلك الفكرة التى صدرت من مجهول ، ثم حصد دعاتها ثمرات ذلك المجهول .
v وفيما يبدو بأن لدينا بعض الفرق ، كما حكى بذلك التاريخ ، لا تفضل الظهور فى العلن ، ولا تجنح نحو السلم إذ جنح له الجميع ، ولا توافق على صيغة تواضع عليها المجتمع ، وهؤلاء هم شذاذ الآفاق ، لا يعملون إلا فى الخفاء ، فهم كالخفافيش التى ليس لها وجود عند ما يكون النور مشعاً ، أو الشمس مضيئة ، والظلام هو البيئة الصالحة لهم ، ويا للدهشة عندما تقف على إرتباط الظلام بأخلاق الظلمة ، وحالته بالظرف المواتى الذى يتخذه اللصوص ، والمجرمون لتسور الحوائط ، وسرقة المنازل ، ولتهديد سلامة السكان الآمنين .

v فالملصقات الداعية للعصيان التى كلفت بها كوادر يسارية ، لتلزق على أبواب المتاجر ، وأسوار المنازل ، وغيرها من أماكن طبعت بغير إذن من سلطة ، وصيغت عباراتها بليلٍ ، وطلب من الذين يقومون بأداء هذا الدور ، إلا يضطلعوا به إلا إذا كان الظلام حالكاً ، والليلٍ بهيماً ، والطرقات مظلمة ، وهكذا تتم الأفعال المشينة عندما تغمض الجفون ، ويرخى الليل سدوله ، ويصبح الظرف سانحاً لإرتكاب كل فعلٍ غير مشروع .

v ومما يدهش كذلك بأن بيانات الذين تبنوا هذه الدعوة ، قد عَبَّر بمضامين أكثر منها نقداً ، ورأياً الكثيرون الذين شاركوا فى الحوار الوطنى ، فكانوا أهل شفافية ، ودعاة وطنية ، فاتخذت وجهات نظرهم قاعدة للبناء ، لا للتدمير وإثارة الخلاف ، والصراع ، وإنما هو الرأى الذى بناء عليه سيكون التوافق لتشكيل حكومة تكاملت من أجلها الآراء ، وكل ذلك كان فى العلن ، وليس مؤامرةً تم نسجها فى الظلام .

د. ربيع عبدالعاطى عبيد

Exit mobile version