‫الحكومة تقدم (السبت) في انتظار (أحد) المعارضة

‫ احتل نبأ إطلاق السلطات الأمنية سراح (23) من قيادات وكوادر المعارضة، (الأحد)، مكاناً بارزاً على صفحات الصحف ووسط الرأي العام، فهو خطوة تجيء في ظروف سياسية بالغة الأهمية، حيث إنها تمت قبل ساعات من إجازة التعديلات الدستورية، في أول مسعى لوضع مخرجات الحوار الوطني موضع التنفيذ، حيث تمهد الطريق لتكوين حكومة وفاق وطني، يتوقع تشكيلها خلال الأسابيع القليلة القادمة، لتشهد البلاد ميلاد أول حكومة تتكون من جبهة عريضة من الأحزاب المشاركة في الحوار.
‫وينتظر أن يحدث إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ردود أفعال واسعة خلال الأيام القادمة، خاصة وأنه جاء في توقيت جزم فيه خبراء سياسيون بأن الحكومة قدمت (السبت) في انتظار (أحد) المعارضة‬.
‫{ إدخال الحريات‬
‫ قد يتساءل البعض، ضمن ردود الأفعال المتوقعة على الحدث، عن جدوى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في هذا التوقيت وعما إذا كان ذلك ناتجاً عن اعتراضات الأحزاب المشاركة بالحوار ومطالبتها الدائمة بالحريات، خاصة حزب المؤتمر الشعبي، الذي يصر على إدخال الحريات ضمن التعديلات الدستورية ويهدد بالانسحاب من الحوار إذا لم يُستجب بهذا المطلب، بينما البعض الآخر يتساءل عما إذا كان اعتقال هؤلاء القيادات بسبب العصيان المدني، ولا علاقة له– مباشرة– بالحوار ومخرجاته، لكن الكثيرين سيجمعون على أنه بمثابة رسالة من الحكومة لكل تلك الجهات وغيرها، في الداخل والخارج، وإجابة عن كل تلك التساؤلات، بتأكيد حرصها على إنجاح الحوار، الذي وصل خواتيمه بصدور الوثيقة الوطنية.‬
‫الخبير والمحلل السياسي البروفيسور “حسن الساعوري” أشار في حديثه لــ(المجهر) إلى أن إطلاق المعتقلين بادرة طيبة من الحكومة، وتصب في مصلحة الحوار بالتأكيد، وتبرهن أن الحكومة جادة فيما يتعلق بالحريات، ولن تكون هنالك اعتقالات دائمة مستقبلاً‬. وقال الخبير السياسي إن الحكومة قدمت (السبت) منذ أن انتهجت الحوار سبيلاً للوصول إلى حل في قضايا السودانيين ووحدتهم، واستمرار الدعوة إليه لمدة عامين هي أمد الحوار، بجانب إجراء التعديلات الدستورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، الأمر الذي يتطلب من المعارضة تقديم (الأحد)، حتى تبارح مشاكل السودان مكانها، وزاد بالقول: (القيادات الذين أفرج عنهم هم معارضون غير مشاركين بالحوار، وهو ما يعني أن الحكومة جادة في مسعاها‬).
‫ويختلف معه في الرأي الخبير السياسي د. “صلاح الدومة” الذي قال لــ(المجهر): (إطلاق سراح المعتقلين لا يصب في مصلحة الحوار الوطني، ولا يضره، خاصة وأنهم لم يخالفوا القانون وإنما مارسوا حقوقهم بموجب الدستور)‬.
‫حزب الإصلاح الآن بدوره علق على الإفراج عن المعتقلين ببيان ممهور بتوقيع أمينه السياسي، د. “فتح الرحمن محمد فضيل” الذي أكد فيه إطلاق سراح المعتقلين من قادة حركة الإصلاح الآن الذين تم اعتقالهم على إثر ممارستهم لحقهم الدستوري في رفض الزيادات غير المبررة، حسب تعبير البيان. وقال البيان إن ما سماه “التكتيك من إطلاقهم في هذا التوقيت، يتزامن مع جلسة برلمان في 26 ديسمبر حتى لا يطالب شركاء الحوار المفترى بالحريات التي لم يقدمها البرلمان”.‬
{ القوى السياسية‬
‫وفي الوقت ذاته يرفض عضو آلية الحوار، “بشارة جمعة أرو” خلال حديثه لــ(المجهر)، الاستنتاج بأن إطلاق سراح المعتقلين في مصلحة الحوار، ويقول: (ليس من المنطق أن نقول هكذا، بل الحقيقة أن الحوار في مصلحة الجميع)، مشيراً إلى أن الاعتقال يتوقف على سلوكيات القوى السياسية، وطالب “أرو” القوى السياسية بضرورة ضبط النفس والتعامل بمسؤولية‬.
‫من جانبه، أشاد الأمين العام لأحزاب الوحدة الوطنية وعضو آلية الحوار “عبود جابر”، بخطوة الحكومة بإطلاق سراح (23) من المعتقلين وعدّها خطوة قوية تؤكد حرص ومساعي الحكومة في أعلى مستوياتها على إنجاح الحوار. وأضاف “عبود” إن الحريات واحدة من الأشياء الأساسية وضرورة الاهتمام بها واحدة من ضروريات الحوار، مشيداً بدستور 2005 الذي وضع أسس ومبادئ الحريات، ومن ثم جاء الحوار، ثم التأكيدات، وأشار “عبود جابر” إلى أن الخطوة هي بمثابة تقديم حسن النية في انتظار رد أفضل من القوى والأحزاب المعارضة الممانعة للحوار، وأوضح أن الحكومة ظلت منذ بدايات الحوار جادة في مساعيها لإنجاحه، وأشار إلى أن خطوة إجازة التعديلات كانت أكبر دليل للمشككين بالحوار، مضيفاً إن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود لإنزال مخرجات الحوار الوطني كافة على أرض الواقع، مؤكداً أن الآلية حريصة على أن تأتي حكومة الوفاق الوطني لترضي تطلعات الشعب السوداني.‬
‫وحسب خبراء فإن خطوة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين تعد مبادرة طيبة من الحكومة لإبداء حسن النية، قبل الشروع فعلياً في إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، الذي بدأ فعلياً بإجازة التعديلات في سماته العامة، أمس (الاثنين)، بجانب بدء المشاورات لتشكيل الحكومة خلال أيام قليلة قادمة بعد إجازة التعديلات الدستورية. وحسب الخبراء فإن المعتقلين السياسيين اعتقلوا لاتهامات تتصل بالعصيان المدني، الذي دعا له ناشطون ومعارضون مرتين، كان آخرهما الذي فشل قبل أكثر من أسبوع، تحديداً في التاسع عشر من ديسمبر الجاري، الأمر الذي جعل السلطات تفرج عنهم عقب فشله، ويرى الخبراء أن الحكومة باتت في موقف يتطلب منها باستمرار أن تؤكد حرصها لكسب ثقة الأحزاب المشاركة والمعارضة بالحوار، خاصة وأن المرحلة المقبلة تتطلب مستوى عالياً من المصداقية.

المجهر السياسي

Exit mobile version