بصورة مفاجئة، أو غير مفاجئة، انتشرت في المجال العام السعودي دعوة اقتصادية ذات بُعد سياسي، تنادي بطرد الأجانب من المملكة، وتمّ التعبير عنها بشعار لقي، حتى الآن، الرواج الكبير: “السعودية للسعوديين”.
ومن المتوقع أن تتحول الدعوة إلى رهاب ضد الأجانب (Xenophobia) وتحريض ضدهم. وحتى الآن، لا يمكن الجزم بأن الشعار ولد مصادفة، ولا هو نتاج وعي سياسي أو اقتصادي مفاجئ اعترى الرأي العام السعودي. لكن التقارير الإعلامية في السعودية تشير إلى أن الحملة أطلقها شباب وشابات سعوديون متحمسون؛ في أعقاب ظهور إحصاءات تشير إلى أن عدد العاطلين عن العمل من السعوديين بلغ حوالى (1.700.000) عاطل وعاطلة، بحسب الإحصاءات التي نشرتها وزارة الموارد البشرية، وتمثل المرأة من هذه النسبة حوالى (82 %).
وقال وزير العمل السعودي، الدكتور علي بن ناصر الغفيص، في تعليقه على الميزانية العامة للسعودية للعام 1438-1439هـ: “إن وزارته تعمل على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين بما يضمن خلق بيئة عمل آمنة وجاذبة للموارد البشرية الوطنية، وتوفير فرص العمل اللائقة للمواطنين والمواطنات”.
وكان وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أعلن قبل عدة شهور، عن برنامج مخطط وتحوّل كبير في اقتصاد المملكة، يُعرف باسم (رؤية 2030)، لكي تتخطى المملكة اعتمادها على النفط، وحتى الآن تحظى بدفع حماسي منه ومن فريق المستشارين الشباب الذي يحيطون به. ويعد محمد بن سلمان يداً من الأيادي التي تمسك بعجلة القيادة في السعودية، كما يقول سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
ويقول الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الله الرمادي، إن دعوة (السعودية للسعوديين) منطقية، استنادًا إلى الكساد الذي ضرب أسعار النفط عالميًا، وصرف المملكة على الحرب في اليمن.. ومتى ما جدّت السلطات السعودية في بلورة هذا الشعار إلى واقع؛ فإنه يشمل ما يقارب المليون سوداني من المقيمين في المملكة بوصفهم مهاجرين اقتصاديين يعملون في القطاعين، العام والخاص؛ إذ يأتي السودانيون في المرتبة الخامسة من ترتيب الجنسيات في سوق العمل السعودي، طبقًا لآخر رصد سعودي رسمي تمّ بالخصوص، وطبقًا لتحليل اقتصادي صدر في عام 2012، فإن تحويلات السودانيين إلى الخرطوم بلغت 1,527 مليون ريال سعودي، وهو رقم كبير قياسًا إلى سعر صرف الريال في ذلك الوقت، لكن الآن، من الصعوبة بمكان تحديد حجم التحويلات بشكل دقيق؛ نظرًا لتوقف التعامل المصرفي بين البلدين، 2014. لكن أستاذ الاقتصاد في جامعة السودان عبد العظيم المهل يشير إلى أنها تصل إلى سبعة مليارات ريال سعودي، بعد أن يضيف إليها أموال الاتفاقيات والتحويلات الرسمية الأخرى. فيما يذهب الدكتور الرمادي إلى دعوة الحكومة للاستعداد بتوفير فرص عمل للوافدين المحتملين، كما هو مطلوب منها دائمًا.
وكانت المديرية العامة للجوازات السعودية قد أعلنت عن رسوم جديدة للتأشيرات، تشمل تأشيرة الخروج والعودة المفردة للمقيمين، من 200 ريال لمدة شهرين و100 ريال عن كل شهر إضافي، بدلاً من السابق، بواقع 200 ريال لمدة ستة أشهر كحد أقصى. كما تشمل الرسوم الجديدة تأشيرة الخروج والعودة المتعددة إلى 500 ريال لمدة 3 شهور، وكل شهر إضافي 200 ريال، بدلًا من السابق، برسم 500 ريال كحد أقصى لمدة ستة أشهر.
وبخصوص الوافدين غير المقيمين، تمنح منافذ الجوازات تأشيرات دخول للعمالة المنزلية المرافقة لكفلائهم الخليجيين برسوم 300 ريال، بدلًا من 50 ريالا سابقا.
وتأشيرة الزيارة المفردة برسم 2000 ريال بدلاً من السابق 200 ريال، وتأشيرة الزيارة المتعددة برسم 3000 ريال لمدة ٦ أشهر “صلاحية المنافذ فقط ٦ شهور كحد أقصى” بدلاً من السابق 500 ريال.
ومن وجهة نظر السودانيين هناك، فإن هذه الزيادات مرتفعة بما يكفي، وتحت هذه الظروف، يبدي الكثيرون منهم رغبتهم في العودة اضطرارًا، رغم أن كثيراً من السعوديين استثنوا السودانيين من دعوة مغادرة الأجانب للمملكة. لكن الدكتور الرمادي الذي تحدث لـ(اليوم التالي) يستبعد عودة السودانيين بأعداد كبيرة، ويقول إن العودة ستكون في حدها الأدنى، إذا تبلور القرار بشكل رسمي.
اليوم التالي