* أجازت الهيئة التشريعية (المجلس الوطني + مجلس الولايات) في مرحلة القراءة الأولى أمس، أمس التعديلات الدستورية الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية، بالاضافة الى استحداث منصب رئيس الوزراء، وتعديل عضوية الهيئة التشريعية بإضافة أعضاء جدد، وفصل منصب النائب العام عن وزير العدل، وهي التعديلات التي أغضبت بعض أحزاب الحوار الوطني وعلى رأسها المؤتمر الشعبي عندما أُودعت منصة الهيئة التشريعية، باعتبار أنها لم تشتمل على ملحق الحريات وقانون جهاز الأمن، ومجلس القضاء العالي، والمحكمة الدستورية، ما اعتبره القيادي بالمؤتمر الشعبي الدكتور (عمار السجّاد) في مساجلة بـ(الواتساب) مع رئيسة اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية (بدرية سليمان) نكوصاً من المؤتمر الوطني عن ما تم الإتفاق عليه، وممارسة مكشوفة للخداع !!
* التعديلات الجديدة أعطت سلطات واسعة لرئيس الجمهورية ليصبح السلطة التنفيذية العليا في شؤون الأمن والدفاع والمالية والاستراتيجية العليا للدولة، بالاضافة الى تعيين وفصل رئيس الوزراء، وتعيين الأعضاء الجدد في الهيئة التشريعية، وتعيين النائب العام، فضلاً عن سلطاته الدستورية الأخرى المنصوص عليها في الدستور الانتقالي لعام 2005 ، ومنها تعيين شاغلي المناصب الدستورية والقضائية، وإعلان الحرب، وإعلان وانهاء حالة الطوارئ ..إلخ (المادة 58 ) !!
* وفي حقيقة الأمر فإن الإنسان يستغرب، ما معنى إستحداث منصب رئيس وزراء وتكليفه بمهام أشبه بمهام (السكرتارية التنفيذية) مع هذه السلطات التنفيذية المطلقة التي أعطاها الدستور لرئيس الجمهورية بالإضافة الى سلطاته الأخرى، فهو، كما أسلفنا، الذي يعين ويعزل رئيس الوزراء في أي وقت يشاء وبدون ذكر أسباب (وليس للبرلمان هذه السلطة، ولا أدري ما فائدة وجود مثل هذا البرلمان)، وهو ــ أي رئيس الجمهورية ــ الذي سيقوم بتعيين الأعضاء الجدد للهيئة التشريعية والذين قد يصل عددهم الى أكثر من 154 (بالنسبة للمجلسين)، مما يعني أن السلطة التشريعية نفسها صارت عملياً بيد الرئيس، فإذا أضفنا اليها سلطاته الأخرى، فإننا نكون قد صرنا في وضع أشبه حالاً بالملكية المطلقة، التي يملك فيها الملك كل شيء، ويقرر كل شيء، ويتحكم في كل شيء، وليس للآخرين سوى السمع والطاعة !!
* يحدث هذا بينما نتحدث عن وفاق وحوار وتحول ديمقراطي ودولة تتسع للجميع، ومشاركة في اتخاذ القرار، وكل هذه العبارات الرنانة التي إتضح تماماً أنها لم تكن سوى وسيلة لكسب الوقت والاستهلاك السياسي، ويتأكد ذلك من هذه السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية، ورفض (بدرية سليمان) رئيسة اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية إيداع التعديلات المتعلقة بالحريات وقانون جهاز الأمن، والمحكمة الدستورية، ومجلس القضاء العالي .. والتي أجازها مؤتمر الحوار الوطني واُعتمدت ضمن المخرجات، منصة الهيئة التشريعية، بدعوى انها لم تأتها من رئيس الجمهورية، ولو كانت التعديلات الجديدة قد اشتملت على المواد الخاصة بالحريات وقانون الأمن ..إلخ لأحدثت توازنا معقولاً بين السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية والأجهزة التي تتبع له، والحريات العامة والسياسية التي يتمتع بها المواطنون، ولكن من أين يأتي التوازن وكيف، والبلد يحكمها ويتحكم فيها حزب لا يفهم ولا يعرف ولا يعترف سوى بالسلطة المطلقة، وها هي السلطة المطلقة تتحول الى زعامة أو ملكية مطلقة !!
* لقد إعتقدنا أن الأعوام السابقة هي الأسوأ في تاريخنا السياسي، ولكن يبدو أننا أخطأنا، فها هو عام 2017 يكشر عن أنيابه الحادة وهو لم يولد بعد !!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة