المعركة العاتية بين والي الجزيرة الدكتور “محمد طاهر أيلا” والمجلس التشريعي بالولاية يجب النظر إلى أبعادها من القاموس الديمقراطي الذي يتيح الممارسة الحرة من حملة الرأي المضاد على سياسات ومنهج الحكام دون خوف وتدليس، في إطار المسؤوليات العامة المحكومة بالدساتير والقوانين في الدولة.. الذين رفضوا خطاب والي الجزيرة في دورته الثالثة المقدم من وزير الصحة “عماد الدين الجاك” خلال الأيام الفائتة، كانوا يحملون قناعات مدروسة وتصورات مخالفة حول ملامح الرؤية الولائية التي وردت في خطاب “أيلا”. ومن نافلة القول إن هؤلاء النواب نهلوا من مبدأ الحرية الموجبة في العمل العام وهي حق طبيعي وصحي في الممارسة السياسية ما دامت تتوكأ على نوايا المصلحة العامة.
الضجة الواسعة التي أثيرت هذه المرة حول سقوط خطاب “أيلا” الأخير رسمت صورة مخيفة حول الميكانيزم التي تدير حكومة ولاية الجزيرة، وذلك على خلفية الصراع الطويل بين “أيلا” وتشريعي الجزيرة الذي انعكس على محطات عديدة، حيث ظهر قبل ذلك سقوط مشروعه حول صندوق التنمية وأيضاً كان هنالك رفض واضح على منهج “أيلا” حول الاهتمام الملحوظ بالنظافة وردميات الشوارع على حساب أولويات الخدمات المختلفة والمشاكل الحياتية. علاوة على ذلك فإن هؤلاء النواب يرسلون الملاحظات القاسية والانتقادات الملتهبة على الرجل حول غياب العدالة في توزيع مخصصات التنمية لمحليات الجزيرة الثماني بحجة أن رئاسة المركز بمدني تستحوذ على نسبة (70%) بينما المحليات الأخرى مثل الحصاحيصا والمناقل والكاملين والقرشي تأخذ حوالي (30%).
أرشيف “أيلا” يعج بالنجاحات الباهرة والنشاط الدافق والحيوية السياسية حيث جاء من البحر الأحمر إلى الجزيرة على رأسه تيجان لامعة، ولم يكن غائباً عن البال بأن “أيلا” في نظر الكثيرين هو الحاكم الميداني الذي لا يعرف الجلوس على أريكة الكرسي الولائي، بل عند قدومه إلى الجزيرة من الثغر وجد استقبالاً مهولاً سارت عليه الركبان.. لكن رويداً رويداً ظهرت الخلافات الطاحنة بين الرجل وفئة معلومة في المؤتمر الوطني داخل المجلس التشريعي وخارجه، وتطور الأمر إلى مستوى تجميد وفصل بعضهم بعد مثولهم أمام المحاكم على رأسهم “الزهاوي بشير أبو عاقلة” و”مساعد عبد الخالق” و”صبيرة عبد الرحيم” و”إبراهيم العباس” و”محمد أحمد العيص”.. السؤال المركزي.. كيف يتعامل “أيلا” مع الرأي المخالف في الجزيرة؟؟.. الإجابة الواضحة تتأطر في أن الخيارات ستكون مفتوحة أمام “أيلا” سيما بعد الظل الظليل الذي وجده من الرئاسة، غير أن الحكمة تقتضي معالجة الأمور بالتسوية السياسية والدراسة العميقة بالرجوع إلى العناصر الأولية للإشكالية، فالمؤتمر الوطني عندما تتصادم رموزه وعضويته مع قياداته التنفيذية سوف تنعكس الخسارة على قوته التنظيمية ودوره المحوري في الساحة.
صورة الحاكم الذي يتحمل الرأي الآخر والفكرة المضادة ستكون زاهية أكثر من صورة الحاكم الذي لا يتحمل الهجوم على سياساته ومنهجه في العمل العام، فالأخطاء والمثالب تظهر على أنواع من كثرة العمل الدؤوب والحراك الكثيف.
الإحساس بالهوان الذي يصيب المخالفين في العمل السياسي على جميع المستويات قد لا يساعد على النهوض وتلمس المنهج الصحيح والطريق المعبد، فيجب أن تكون هنالك مساحة واسعة للتدبير والقراءة المتأنية للأمور والإشكاليات الموجودة في دولاب التكاليف العامة.
المجهر السياسي