أقضي مساحات من نهارات السبت ، وبعض مطالع الليل ضمن زمرة أصدقاء نجلس علي كثيب تل رملي ، ميدان فسيح نستقبل فيه من وجهتنا اماما أضواء مسيد (البرهانية) ، حين يتجاسر سواد الظلمة علي الطلاء الاخضر المهيب لصاحب القبة وتتمايل الرايات تخفق مثل علامات تهدي السبيل ، خلفنا يمتد فضاء (الميدان) المنتهي ببعض حيز إمتداد (ديم الحجر) ويعبر من فوقنا شارع أسفلتي فظ التضاريس يمتد من مطلع السوق الشعبي لينتهي الي (السجانة) حيث أنفاس بعض رزاز كلمات إسماعيل حسن وضوع بخور من خلوة مشي بين طرقعةالواحها صوت عثمان حسين مادحا وعبد الرحمن مختار يوم ان كان يوشم الجدران في إمالة من الطريق علي (ديم التعايشة) ، نجتمع لا أنساب بيننا ولا ألقاب الا وشيج صلة بصديقنا (الفاتح) ، رجل زاحم اقطار المنافي وسبل التجارب حتي عاد بين قافية لصلاح احمد ابراهيم ورنة عود من وردي عاد بعد ان أدخل والديه دار القرار في مقابر الرميلة وزوج اخواته الست ، مكتفيا من متاع البقاء بلفظ (خالو الفاتح) وبعض عقارين ينفق منهما علي قوته وإقتناء الكتب ، وجرعات علاج من سرطان يقضم رئته وعافيته ، يتعامل معه وكأنه يدير مراسم عرس ! نجتمع نتحرر من أثقال كثيرة ، أمتدد علي سجادة مطهمة اخلف قدمي مثل قائم تراه عند السواحل في مشاهد الحروب القديمة ، يحضر (الكد) وهو اسم لا علاقة له بالاسم الشهير في مدونات الوقائع (خالد الكد) لكن له بعض تلك الغشامة والجسارة وشحيح ولاء لليسار وقصص عن (مصطفي المكي) وما يسميه (إشتراكية الخذلان) ! يجمع مجلسنا عمار النقر ، شاب يتقاصر عمره عنا وهو مرتبط بدراجة نارية خاصة باصحاب علل السير والمشي ، شاب خلاق الابداع اذ حول الدراجة الي لوحة وشاها بقول الشاعر (حسب المنايا ان يكن امانيا ) يحضر كذلك (الخير) وهو اسرعنا انصرافا ، من شاكلة تلك المخلوقات التي تخشي الزوجات ، له رفيقة حياة تتفقده مثل طفل ! ربما فاقم قلقها عليه مصاب إبتلاء منع عنها مطالع الصغار ، طاف الرجل كل المشافي ورد بان الامل موجود لكن فرج الله عليه لم يحن ، نصح بعض الاشقياء بنبات (القورو) في ليالي الخميس ودعاه رفيق يعتقد في بيوت الصوفية ببعض تفل علي راسه من شيخ بالجوار فانكر سلفي يجالسنا الحديث وتوعده بالهلاك ! حشد هو خليط من المع والضد ، النار وبعض الندي ، التفلت وكل الرصانة ، يدير (الفاتح ) هذا الخليط أدارة تنوع لا تتحرج عن إستفتاء (الكجم) في شأن صديق له قال انه ضبط بخمس جوالات بنقو ! تحضر اكواب الشاي والقهوة نطلبها من (الماظ) سيدة فوق الستين وادني مطالع من سبعين ، عليها بعض آثار جمال وعربية معجنة تعمل نهارا تحت جوار (جراج) للسيارات ونخيم قربها بالميدان مساء كل سبت حتي صارت بعض من كل ما نتفقد به انفسنا ونفتقد ، تمضي الساعات لا نتفرق الا ان خلا المكان ومارس بعض اهل الشرطة خاصية التلصص الحذر ، يمنعهم عنا (لوحة) سيارة (بشير) التي تزامل في اللون لوحة فوج العسس ! نودع الفاتح كل سبت وداع مفارق وهو يضحك فاتر الحبال الصوتية يتهكم منا ، لم أري في حياتي أشجع من هذا الرجل او يقين متقد التفاصيل كما اراه علي محياه ، أكون عادة اخر من ينصرف عنه ، أعيد له ترتيب بعض الصالون ، تتناثر الكتب وبعض الاوراق البالية تشي ملامح الاسرة بانه كان مضيفا لرهط من العزاب ثم يقول لي انه يتحول كل الليل من سرير لاخر ! لا يهدأ ثم يجلو الصبح ما أري ، أجمع متفرقات بعض التمر ، وكيس طحنية ارد مصحفا مفتوحا علي ضفتين الحظ عليه دؤائر بالاسود والاحمر علي بعض الايات ، اتفقد الماء في براد الطعام فاجد بقايا (ملاح) اغمس فيه قطعة خبز ، اتلذذ بطعم الاجادة رغم البرودة ، المح سيارته بداخلها احذية صغار وملصقات حلوي فيقول لي هذا فعل ابناء وبنات اخواتي اذ لا يمضون للمدرسة ان لم اصحبهم ، قلت له لماذا تعيش وحدك قال لي مساحات العزلة تمنحك ذائقة الاشياء ، أخرج عنه يقف يودعني متعلقا علي الباب مثل نسر يفرد جناحيه يلوح مودعا ، الوح مودعا يلحق بي صائحا ..معاك جرايد !
بقلم
محمد حامد جمعة