توارى عن الأنظار لبضعة أشهر، فخفت بريقه الإعلامي والسياسي بعد ما كان ملء السمع والبصر منذ عودته إلى دياره مستريحة في العام 2015م صار الزعيم القبلي موسى هلال منسياً وسط ركام السياسة المتزايد يوماً بعد يوم. ومن وسط ذات الركام نهض موسى كطائر الفينيق بعدما أعلن الخروج من جلباب المؤتمر الوطني ليفصّل حزبه السياسي الخاص، والذي سيتزعمه بنفسه على حد المتحدث باسمه هارون مديخير.
حرد وعودة
في العام 2015م كان بروفيسور إبراهيم غندور مسؤولاً عن التنظيم بالمؤتمر الوطني يتلو أسماء مرشحي حزبه في الدوائر القومية والولائية، غاب اسم موسى هلال عن القائمة رغم وجوده في البرلمان الذي لم ينتهي أجله بعد، عندئذ تساءل الصحافيون عن سر غياب موسى هلال عن القائمة المرشحة. بدبلوماسيته المعهودة قال غندور إن مكان هلال محفوظ، وقتها أشيع على نطاق واسع أن الزعيم القبلي ذائع الصيت موسي هلال قرر الخروج على الوطني، ولم تمض أسابيع حتى هبط غندور ومعه وفد رفيع المستوى أرض مستريحة لإقناع هلال بضرورة العودة إلى الخرطوم. ومرت انتخابات صيف أبريل2015م باكتساح الوطني لها ومن ثم الاحتفال بتنصيب البشير رئيساً منتخباً، وقتذاك ظهر هلال في سماء الخرطوم للمشاركة في حفل تنصيب البشير
استقبال باهر
العشرات من أنصار موسى هلال هبوا إلى مطار الخرطوم لاستقباله، وحضر الرجل –بالفعل- مع وفد ضخم من منسوبي مجلس الصحوة الثوري، وبعدها توجّه هلال إلى منزله بشرق الخرطوم، حيث ألقى خطاباً ضافياً أرسل من خلاله عدة رسائل أبرزها اعتماد مجلس الصحوة الثوري كجسم سياسي، وعقب ذلك الخطاب لم يكن هنالك أية ظهور إعلامي أو سياسي لهلال .
صراع طاحن
الفترة التي عكف فيها هلال بديار مستريحة مغاضباً تعد هي فترة الصراع الطاحنة بينه ووالي شمال دارفور وقتها عثمان يوسف كبر. واشترط هلال على الحكومة في ذاك الوقت إبعاد كبر من كابينة السلطه بالفاشر. بيد أن المركز رفض الرضوخ لضغوط هلال سداً لنوافذ ربما يتسلل منها آخرون ويصعب إغلاقها. في ذات الوقت تمسّك هلال بمواقفه إلى حين إبعاد كبر.
حزب جديد
في أكثر من مرة لوّح هلال أو مقربون منه بمغادرة المؤتمر الوطني، بيد أن الأجاويد لعبوا دوراً بارزاً في إقناع هلال بتنفيذ نياته. بيد أنّ مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر ما بين العام 2015م والعام 2017م الذي يطرق أبواب الدخول عقب بضعة أيام. ومن أبرز المتغيرات في هذه الفترة في تاريخ العلاقة بين هلال وحزبه هو إعلان ذراعه الأيمن هارون مديخير خروجهم من المؤتمر الوطني وتكوين حزب سياسي ينافس في الانتخابات القادمة 2020م بزعامة هلال نفسه، وبدأ مديخير ساخطاً على تجاهل الوطني لهلال وقال في أحاديث صحافية: (الوطني فكّانا عكس الهواء) وأضاف: (فقدنا الأمل في الوطني وسنشكل حزباً يعبر عن آرائنا). وهو حديث يجعل من إشارات هلال بالخروج -هذه المرة- أكثر جديّة وربما غير قابلة للتراجع، بعد الاختفاء القسري للرجل من المشهد السياسي .
ما وراء الخروج
ثمّة عدة تساولات ستبرز للسطح في حال أقدم هلال على تكوين حزب سياسي، أبرزها لماذا الخروج، وماهي دوافعه.
يرى مراقبون أن أسهم هلال تراجعت بعد بروز نجوم جدد في المشهد السياسي من نفس القبلية التي ينتمي إليها هلال، إذ بات اللواء محمد حمدان دقلو (حميدتي) الأقرب إلى قلب وعقل الحكومة من هلال الذي أدمن المناورات في الآونة الأخيرة طبقاً لشهادة مراقبين.
وبوضع المسألة برمتها على طاولة التشريح، يقول المحلل السياسي د. صلاح الدومة، إنّ التهميش وراء تفكير هلال في الخروج من الوطني وتشكيل حزب سياسي. مردفاً أنّ عدم إسناد مهمّة سياسية أو حقبة تنفيذية لهلال في الفترة الماضية هي أبرز أسباب تفكير هلال في الخروج من الوطني. وبعد هنيهة صمت واصل الدومة حديثه لـ (الصيحة) بقوله الإنقاذ رفعت من أسهم هلال السياسية وقتاً طويلاً ثم عادت ووضعته في مكانه الطبيعي بعد استنفاذ أغراضه .
انشقاق
بعضهم يرى أن اتجاه هلال لتشكيل حزب سياسي يعتبر انشقاقاً جديداً في صفوف الوطني، شبيه بخروج مجموعة غازي صلاح الدين في سبتمبر 2013م. ويستند أولئك النفر الواصفون لخروج هلال بالانشقاق بأنّ الرجل يتكئ على سند قبلي، بالإضافة لامتلاكه قوة مقاتلة تتخذ من مستريحة معقلاً لها.
بيد أن القيادي بحزب المؤتمر الوطني، د. ربيع عبد العاطي قد قلّل من خروج هلال، ورفض توصيف ما ينتويه على أنه انشقاق. وقال لـ (الصيحة) إنّ خروج شخص لا يؤثر على منظومة سياسية وفكرية. وأضاف: من قبل خرج الترابي وغازي وما زال الوطني متماسكاً. وتابع: من حق هلال تكوين حزب سياسي يعبر فيها عن آرائه، ومجلس الأحزاب لا يمنع تكوين أية حزب سياسي، بالتالي الباب مفتوح لهلال للانضمام لقائمة الأحزاب السياسية.
بدوره قلّل الدومة من خروج هلال من الوطني، بقوله إن الوطني لن يتأثر بخروجه، بعد تأدية مهامه التي رسمت له سابقاً .
هلال السياسي
تبدو قيادة حزب سياسي أصعب من قيادة الكيانات الأخرى، وبالتالي يقلّل مراقبون من فرض نجاح هلال في صناعة حزب سياسي يمكنّه من الصمود في المشهد السياسي.
يقول ربيع عبدالعاطي: إن الأحزاب تقوم على الأفكار وليس الأشخاص، وليس كل من يملك الجماهير يمكنه أن يصنع حزب. وقريباً من ذات الحديث يقول الدومة إن الأفكار هي الأساس في إنشاء كل حزب سياسي، وموسى هلال لم يصل لمرحلة المفكر أو العالم وفي حالة إنشائه لحزب سياسي سيكون الحزب كسيحاً.
ولكن رغم تلك الآراء، فقطعاً إنّ هلال قد عرف بالدهاء الشديد، ولذا لن يستغرب لو نجح في مسعاه بتكوين حزب، هذا بالطبع إن لم يكن يريد من كل ذلك إطلاق قنبلة دخان على يد ميديخر، قبل أن ينفذ إلى أهداف يعلمها لوحده.
الخرطوم: عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة