> أبوي الحبيب.. يرحمك الله.
> لو أنك تركتني أعمل جزاراً.
.. مهنتك.. لكنت الآن ثرياً ومن أهل الثلاث والرباع وعندي عشرون ولداً وبنتاً.
> لكنك كنت تطردني من السوق حتى لا أهمل المدرسة.
> أبوي.
> ما نحصل عليه الآن من المدارس والجامعات والكتب هو شيء يجعلنا في كل يوم نستعيد عنوان رواية شهيرة جداً أيام ستالين.
> الرواية اسمها (يوم في حياة إيفان دينسوفتش).
> وإيفان دينسوفتش حين يقضي يومه الأول في السجن في سايبريا يقول لنفسه قبل النوم
: جميل يا إيفان دينسوفتش .. لم يبق لك إلا سبعة آلاف وثلاثمائة وستين يوماً فقط.
> ويوم في حياة ابنك إسحاق هو
: أمس السابعة صباحاً.. ما يصل الينا هو
> ملف عن (5.800.000.000) دولار.. قرض للسودان.
> والقرض هذا يصدق عليه مكتب نائب الرئيس في يونيو الماضي.
والقرض يلغى ان لم يتسلمه السودان حتى 25/12/م2016
> وحتى أمس القرض مغروس في (طين) غريب.. ليسقط بعد يومين
> الساعة العاشرة صباحاً.. في يوم إيفان دينسوفيتش هو ملف يقدمه للبرلمان النائب مبارك عبد الله.. أمس.
> الملف يسأل.
: كيف تستأجر وزارة الارشاد مقراً بايجار شهري قيمته هي (ثلاثة وعشرون ألف دولار.. شهرياً)؟
> شهرياً نعم.
> الثانية عشرة ظهراً.. ما في يومنا هو
: ملف عن (هبة) لجامعة النيلين .. الهبة المليونية (ثمانية وستون مليون دولار) يتعهد بها ثري عربي ضكران..
> ومليون دولار تذهب لتصميم مبنى يجعل جامعة النيلين الأعظم في افريقيا.. والتصميم يكتمل.
> وبعضهم يوقف المشروع.
>ويوقف لأن.. ولأن.. ولأن.
> وما يصل إلينا هو بعض المستثمرين العرب يقولون لصاحب الهبة
: إن نجح مشروعك في السودان تدفقنا إلى السودان
> والمشروع يضرب.
> والعام الماضي الصحف تحمل أن (أكثر من ألف مشروع يتحول من السودان إلى إثيوبيا)
> و.. و..
(2)
> ابوي.. يرحمك الله.. حفظنا سورة (يس) ونحن أطفال تحت الغطاء لكثرة ما كنت تصلي بها الفجر.
> ثم لحقنا بالإخوان المسلمين.
> وعالم الإخوان يغمسنا في أروع أيام يعيشها أحد.
> أيام ساحات الفداء ورائحة الجنة.
> ثم؟
(3)
> أبوي.
> ما يصبح عزاءً هو طبيعة السودانيين.
> ومساء التاسع عشر من ديسمبر هذا.. يوم العصيان.. السيد (جيمس كوينار) محلل تلفزيون الـ (BBC)
يكتب عن العصيان ليقول
: لا فعالية للعصيان في الخرطوم لأنه لم يكن هناك عصيان (محلل المحطة يقول هذا.. مع أن المحطة ذاتها .. الإنجليزية .. ترسل مشاهد لطرقات خالية في الخرطوم وتزعم أن العصيان.. ينجح).
> قال المحلل
: الناس.. مهما كان سخطهم.. كان ما يقودهم هو أنهم .. جميعاً.. كانوا يجهلون تماماً من يقف خلف العصيان هذا.
> وكانوا جميعاً يخشون أن يطل عليهم.. بعد سقوط الدولة.. الوجه الذي يخشونه تماماً..
> التمرد والجبهة الثورية.
> قال
> السودانيون لا ينسون أن تجربة أكتوبر (الخدعة الأكبر) كان ما يصنعها هو أنه لم يسأل أحد يومها عمن يقف خلف الثورة هذه.
> قال.. الناس تتعلم.
: من لا يتعلم هو الدولة في الخرطوم .. فالدولة تجد أكثر من فرصة لإصلاح الاقتصاد (قال.. الناس لا يصرخون ضد الكبت.. فالحريات مبسوطة.. ولا ضد الإرهاب.. فلا إرهاب لكن: قال
: من يصرخ ضد الإرهاب والكبت هم حفنة السياسيين و.. شيء تشعر به أو تتظاهر به قلة قليلة.
> بينما .. ما يشعر به كل أحد هو.. الفقر
> والدولة توفر هذا.. ثم لا تطل على الناس لتحدث عن الأمل.. حتى الأمل.
> أبوي.. لو أنك تركتني أعمل جزاراً.. لو أنك.
إسحاق أحمد فضل الله
صحيفة الإنتباهة