في أنْسَنة المَعارك ..!

«الحقيقة النقية البسيطة نادراً ما تكون نقية، ويستحيل أن تكون بسيطة» .. أوسكار وايلد ..!
لا يملك أي إنْسان مُسلم سَوِيّ أن يحزن جداً وهو يرى مشهد اغتيال السفير الروسيبأنقرة، والذي لقي حتفه متأثراً بجراحه بعد إطلاق النار عليه .. فهذا أخ لنا في الإنسانية كان جسداً ينبض بالحياة وروحاً تضج بالأفكار والمشاعر أضحى جثة هامدة، بفعل فاعل أراد أن يكحل عَيْن دينه – بنصرة إخوانه من المسلمين في سوريا وفلسطين – فأعمى عيون العالم عن عدالته وسماحة مبادئه التي لا تقبل عيناً بغير عين أوسناً بغير سن، ولا تُجَوِّزُ عقاباً لغير بادئٍ بظلم يقترفه بيديه..!

الساسة والعقلاء في تركيا أدانوا الهجوم، فبقي الحدث عندهم مصيبة بائتة، تدارك عقلاء شيوخهم وحكامهم تداعياتها فتجنبوا وجنَّبوا المزيد من إراقة الدماء، ولكن الكارثة – التي يفزع لها أي عاقل – أن نكتشف بين ظهرانينا في بقية بلاد المسلمين علماء وفقهاء– نستفتيهم في شؤون ديننا، ونعتبر اجتهادهم في توجيهنا أمراً واجب النفاذ – يعتبرون ما أنكره إخوانهم في الدين من هجوم فضلاً سبقنا المعتدون إليه، ويرون في الاحتجاج السلمي على ما يحدث في سوريا نكوصاً وتقاعساً وذنباً يستوجب أن يتعارك بعضهم لأجله، ويرون في التعدي على أمن وسلامة الغير واجباً يأخذون بعضهم بالنواصي والأقدام في سبيل بلوغه..!

الملوك حكام على الناس، والعلماء – كما يقول سيدنا علي – حكام على الملوك، فكيف ينزلق الفقيه العالم الذي يسود فينا ويقود أمور ديننا إلى فظاظةٍ وغلظة قلبٍ لا تشبه سيد الخلق وشفيع الأمة الذي ينافحون باسمه ويدافعون عنه؟! ..وأين كياسة المسلم وفطنته ودفعه السيئة بالحسنة من تلك الفظائع والانتهاكات التي لا تليق بأي جمع يطلب فلاحاً في أي شأن، ناهيك عن حدث جلل مثل نصرة إخواننا في الإسلام ..؟!

أين هؤلاء وأولئك من ثقافة المطالبة والاحتجاج في الإسلام الذي يدعو الناس إلى التمسك بمبادئه؟!.. فهل من الحصافة أن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ؟! .. وهل من الفلاح أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة فيسوقون البلاد والعباد إلى كوارث وملمَّات سياسية لا تنتج سوى المزيد من الخراب ..؟!
في كل معارك الدنيا وصراعات البشر – باختلاف ألوانهم ومشاربهم وعلى مر العصور – هنالك دوماً مساحة رمادية ضاجة بالتعقيدات وحافلة بالتناقض، لكنها أيضاً غنية بأوجه الشبه الإنساني وموجبات الالتقاء مع بعضنا كـ «أُناس» والانتماء إلى بعضنا كـ «بشر»، لا يمكن للإنسانية أبداً أن تختزل نفسها في خير صرف أو شر محض، وفقاً لما يكتب في «خانة» الجنسية والديانة لأي هوية رسمية! .. إن تنقية حقيقة الإنسان – المعقدة في جمالها والجميلة في تعقيدها – تبسيط مُخِل بعمقها وثراءها الذي يلتف حوله البشر بحياد يؤنسن أفعالهم ويرتقي بانتماءاتهم ..!

إن كان الإيمان هو ما يفرق الناس فإن الشك هو ما يوحدهم .. حريٌّ بنا -إذاً -كمسلمين أن نستثمر شكوك الآخرين حولنا لا أن نبددها بتأكيد السيء منها .. قد يؤدي بنا التعقل – في مثل هذا المقام – إلى نار الظلم أو جنة العدل، لكنه حتماً سيؤدي بنا إلى مكان ما (هو حتماً أفضل مما يدعونا البعض إليه) .. ليتنا نتذكَّر أنناعندما نكظم غيظنا- ونسعى إلى التغيير الإيجابي بأرقى الوسائل – لا نغيِّر الماضي بل نغير المستقبل ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة

Exit mobile version