هل انتصر تيار الصقور في حزبي الوطني والشعبي، بعد تقارب بينهما بدأ عقب إعلان رئيس الجمهورية لحوار الوثبة ؟ أم أن (الحمائم) مازالت متمسكة بالمحافظة على هذا التقارب، سيما وأن الشعبي ينظر الى الأمر باعتباره وصية زعيمه الراحل حسن الترابي؟ ..هل دفعت القرارات الاقتصادية الأخيرة المؤتمر الشعبي إلى العدول عن خط الشيخ الذي أكد تمسكه بالحوار في آخر أيامه؟ هل الاحتجاج العلني من قبل بعض قيادات الشعبي يمثل وجهة نظر شخصية، ولا تعبر بالضرورة عن مواقف الحزب من الحوار؟
أسئلة حائرة ، يجيب عليها القيادي بالمؤتمر الشعبي ورئيس لجنة إسناد الحوار د.عمار السجاد، قائلاً، (إن الشعبي لديه ثوابت فهو حزب معارض ومحاور، وملتزم بخط المعارضة، وفي ذات الوقت يهتم الأمر الذي يتطلب التواصل مع النظام).
يؤكد السجاد، أن الحوار وسيلة للتصحيح والتغيير، ويضيف: (الحزب لديه رؤية، ومتى ما وصلنا لطريق مسدود سترتفع لدينا المواقف المعارضة).
يقول السجاد إن الاجراءات الاخيرة التي اتخذها الوطني لاعلاقة لها بالحوار، ويجب ألا ينسى الوطني أن هناك توصيات ملزمة، وما يحدث الآن هو تباعد في الآراء واختلاف في الرؤى، فمدرستنا ليبرالية بينما الحزب الحاكم شمولي.
ويدعو السجاد قوى المعارضة الى التفريق بين مواقف الشعبي كمعارض ومحاور.
حديث الموازنات الذي قال به السجاد لـ(آخر لحظة) دعمته سهير أحمد، أمين أمانة المرأة بالمؤتمر الشعبي ، التي ترى إن اختلاف وجهات النظر هو سمة اي حوار، و أن كل تيار يحاول تحقيق أكبر مكاسب ممكنة من مفاوضاته مع الطرف الآخر. وتمضي الى القول : (عادة ما تتباين وجهات النظر في المضمون والتوقيت أو الشكل، و القرارات الاقتصادية التي تم اتخاذها مؤخراً يجب ألا يُنظر إليها كردة عن الحوار، فالحوار خط استراتيجي وحل أمثل وهو السبيل لتعبير الاشخاص والكيانات عن آرائهم)..
القيادي بالاتحادي الاصل، الاستاذ الطيب العباسي يدلي بوجهة نظر مغايرة وهجومية ويقول لـ ( آخر لحظة) أن حزبي الوطني والشعبي وجهان لعملة واحدة، وتقاربهما وارد من منطلق انتماءهما لفكرة الإسلام السياسي. ويضيف العباسي: ( ما يحدث الآن من تراشقات هو من باب المكر والخبث السياسي، الذي تتعامل به الحركة الإسلامية مع بقية القوى بالساحة، حيث لا يخفى على الجميع أنها خلطت بين العمل الديني والسياسي، ولم تخلص النوايا للوطن منذ انطلاقتها).
و يدلل العباسي علىوجهة نظره بما ظهر من نتائج يراها على ارض الواقع.. وفي هذا الثدد يقول: ( فالفساد ضرب عدداً من القطاعات في الخدمة المدنية والمؤسسات الاقتصادية وغيرها).
ويطالب العباسي بعدم الانجرار وراء الخلافات التي تُثار بالصحف، ويتابع: (لا شك أن الشعبي يظهر تمنعه ، رغم رغبته الجامحة في العودة الى السلطة). ويستدرك العباسي قائلاً أن للشعبي بعض الكوادر صادقة النوايا، وان هناك بعض القيادات تعلن انحيازها للشعب حتى (تبيِّض) وجه الإسلاميين، بجانب آخرون يلتزمون مواقف وطنية، لكن القيادات السياسية ـــ برأيه ــ قد تكون مطية لقيادات للوطني، وينظرون بمنظار الى علاقة الحزبين من منظار المشاركة.
ولا يستبعد العباسي حدوث تباعُد بين الحزبين (لعدم الثقة تجاه من يتولون المناصب الدستورية من جانب قيادات الوطني، والدليل على ذلك ما يحدث الآن من تخاذل وتنافر بين الأحزاب التي خرجت من صلب الحركة الإسلامية).
بعض القوى السياسية تتجه مباشرة الى توجيه الصفعات الموجعة لجماعة الإسلام السياسي.. فقد وصف الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل، مايحدث بين الشعبي والوطني بأنه (تقارب مصالح، وأنه صراع على السلطة ، مثل ما حدث في نهايات القرن الماضي، وأن إعلان الحكومة لحوار الوثبة يؤكد ضمور الحركة الإسلامية، ونهوض الحركة الجماهيرية.
واعتبر طرح الحوار والتفاف الشعبي حوله من أجل كسب الوقت، ويشدد فضل على أن ( النظام يحاور اتباعه، والغرض من ذلك تفتيت وحدة المعارضة).
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. يبدو أن الحزبين وبعد رحيل عراب الإنقاذ حسن الترابي دخلا مرحلة جديدة.. (لقد نهضت الجماهير وبدأت تدير ظهرها للإسلاميين)، هكذا يقرأ رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة محمد المهدي تباعد مواقف الحزبين، ويرجع الأمر إلى الفراغ الذي تركه رحيل الترابي، باعتبار أن الرجل كانت له قدرة فائقة في التأثير على تلاميذه وتوحيد آرائهم، ولكن مايحدث الآن اندثار لقطاعات مؤثرة بمؤسسة الحزب.
يقول المهدي أن البيانات التي أصدرها تلاميذ الترابي خجولة مقارنة برد فعل القطاعات الشبابية، وبعض القطاعات داخل الشعبي نفسه، ويضيف : ( للشعبي موقفين متناقضين من النظام، فهو يتماهى مع السياسات الحكومية وصولاً إلى اتفاق كلي يقود إلى اندماج).
ويصف حالة حزب الترابي الحالية بأنها حنين للسلطة والمناصب، وأن مساعيهم تنصب باتجاه استعادة المكاسب التي حُرموا منها ، لا أكثر ولا أقل.
(ليس لدى الشعبي ما يقدمه للوطني، بينما يتساءل الأخير عن أسباب تقديم التنازلات). بهذه العبارة بدأ استاذ العلوم السياسية د.صلاح الدومة، افادته لـ ( آخر لحظة ) .. يقول الدومة، أن الشعبي لا يمتلك سنداً جماهيرياً، وأن حاله كحال الحزب الحاكم ، وهو يدعو للاندماج كأفراد ليس كحزب، حتى يُقدم له الولاء والطاعة، و أن الوطني أصبح يزدري الشعبي ..
و يستبعد الدومة بقاء سوياً، على قاعدة التقاءهما على العقدية الايدلوجية، بل (للحفاظ على مكاسبهم في ظل أزمة الحركة الإسلامية).
المحلل السياسي بروفيسور الطيب زين العابدين ينصح المؤتمر الشعبي بعدم التعويل على لقاءاته مع رئيس الجمهورية لأن فقيادات الشعبي ترى أن لقاء الرئيس أسهل من لقاء مساعديه.
يقول زين العابدين 🙁 الاجراءات التي تم اتخاذها مؤخراً كانت بناءً على توصيات اقتصاديين بالمالية، ولا ننسى أن الأحزاب عودتنا منذ أمد بعيد على وجود تيارات بداخلها، تصل لدرجة الانشقاق، كما حدث في تجربة حركة الإصلاح الآن، ومن المهم أن تكون للحزب مؤسسات تناقش بديمقراطي).
ولم يستغرب زين العابدين ظهور تيارات بعد غياب الترابي، لأن (هناك قدر من التنافس الداخلي خاصة وأن الانتخابات على الأبواب).
وتوقع زين العابدين حدوث انشقاقات داخل الشعبي وفقاً للتباعد الموجود حالياً.
ورغم كل ما قيل في العلاقة الملغومة بين الحزبين وتصويرها، وأن الشعبي قد يفارق محطة الحوار، فأن القيادي بالمؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين يقطع بعدم وجود اي تباعد أو تقارب بين الحزبين، ويقول إن لكلٍ برنامجه وفق رؤيته السياسية.
ويضيف الحسن: (الإندماج غير وارد، فالشعبي لا يتحدث عن مشاركة، وخطه كان داعماً للحوار، حيث بدأ صفحة جديدة بنسيان الماضي، ومن حقه رفض القرارات الاقتصادية، والوطني نفسه يرى أن هناك جوانب سياسية سلبية لا ترضي المواطن، لكنها مسألة اضطرارية، وبالتالي الشعبي ليس طرفاً في الحكومة، ورؤية الحزب الحاكم أن يتناول الأشياء العاجلة والضرورية مثل التعديلات الدستورية، خلاف مايريده الأخير بالتوسع فيها).
وأردف الأمين 🙁 تحريك الشارع بالعصيان لن يجدي نفعاً، ولا أثر له ، فالعمل السياسي السلبي يحمل بذرة فشل منذ بدايته، ويفضي للاشيء، وهو دليل عجز عن العمل الإيجابي).
تحقيق: معاوية عبدالرازق
صحيفة آخر لحظة