فيصل محمد صالح: العصيان كان أكثر تنظيماً وتنسيقاً، وأعلى صوتاً في وسائل التواصل

دخلت البلاد في الاختبار الثاني يوم الإثنين، والذي لم يكن مباراة من جانب واحد، كما كان التمرين الأول في 27 نوفمبر، فقد دخل الطرف الثاني المباراة بكل عدته وعتاده، وباللعب القانوني وغير القانوني- أيضاً- فهل نجح أحد؟.

فوجئت الحكومة وحزبها بالدعوة إلى العصيان في نوفمبر الماضي، واستهانت به، وبالخصم غير المرئي، ووقفت موقف المتفرج، فتلقت صفعة كبيرة.. لكنها هذه المرة كانت قد وعت الدرس، وليس صحيحاً أنها عدّته مجرد “كلام فارغ”- كما قال متحدثوها وكتابها- بل إنه كان شغلها الشاغل؛ حيث تفرغت له- تماماً- وعلى أعلى مستوياتها، كان العامل الحاسم المرة الماضية في منظر الشوارع الخالية هم طلاب المدارس، والجامعات؛ لذلك بدأت عملها، وعمل أجهزتها من هنا، فطافت على المدارس، والجامعات محذرة، ومنذرة، ووضعتها تحت الرقابة، مع رسائل التهديد بسحب الترخيص، والإغلاق الكامل.

ثم تذكرت منظر الشوارع الخالية فأعدت عدتها لملئها بمن تستطيع حشدهم، وجهزت احتفالات في الشوارع، والقاعات بذكرى إعلان الاستقلال من البرلمان، ولحقت بوسائل المواصلات الخاصة برسائل عدم شرعية الخروج على الحاكم، وبوسائل أخرى؛ لضمان حركتهم في الشارع، ثم تحركت كاميرات التلفزة تطارد السيارات، والرقشات، وأماكن التجمعات؛ لتقول إن الحركة عادية، والعمل مستمر، كل هذا عمل طبيعي، ومتوقع، لكنه بكلفة عالية واهتمام كامل لا يتسق وخطاب “ما شغالين بيكم”.

الصورة الحقيقية تقول إن الاستجابة كانت متفاوتة، لكن حركة الناس والسيارات في الشارع لم تكن قطعاً تشبه منظر يوم 27 نوفمبر، فهل يعني ذلك أن الحكومة انتصرت؟، تستطيع أن تقول ذلك إن كان المؤشر هو الحركة في الشارع.

لننظر إلى الجانب الآخر، ومن المؤكد أنه كان هذه المرة أكثر تنظيماً وتنسيقاً، وأعلى صوتاً في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بإعلان القوى السياسية، والتنظيمات المهنية مشاركتها، وانخراطها في العمل، ويكفي الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من مدن الأقاليم كان حاضراً في المشهد، بطريقة أو أخرى، عكس يوم 27 نوفمبر الذي كان حدثاً عاصمياً- فقط.
من الدلالات المهمة- وقد أشار إليها كثيرون- أنه وللمرة الأولى منذ فترة طويلة يكون العمل المعارض في لحظة فعل، بينما الحكومة، وأجهزتها في خانة رد الفعل، والمدهش أن رد الفعل لم يكن سياسياً، ولم يكن بيد الحزب الحاكم شيء يفعله، فقد ترك لأجهزة الحكومة، وأدواتها التحرك وصناعة ردود الفعل، حتى الأحزاب الحليفة للحكومة، ومنها المؤتمر الشعبي، اكتفت بالفرجة، والتصفيق للفعل الحكومي.

المؤكد أن العمل السياسي في البلاد، وطريقة التعبير عن المواقف المختلفة قد انتقل إلى خانة جديدة لا تشبه المراحل السابقة، ولن تجدي معه طرق العمل التقليدية القديمة، كما تغيرت خريطة اللاعبين، وبدأ ميزان القوى في التغير.
الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة لا تزال على حالها، لكنها لا يمكن أن تستمر كما هي، فقد وصلت المرحلة الحرجة، وإن قيض الله لبلادنا ثلة من العقلاء فقد تعبر البلاد الأزمة بكلفة قليلة، وإلا فإن كل الاحتمالات ستظل موجودة.

بقلم
فيصل محمد صالح

Exit mobile version