سياسات تقشف، ترشيد إنفاق، ظروف اقتصادية صعبة، زيادة معدلات التضخم وارتفاعات مستمرة في الأسعار، تراجع القدرة الشرائية، تآكل المدخرات الوطنية، تراجع مستمر في قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار، عجز في الموازنات العربية، عناوين تتصدر قائمة الاهتمام الشعبي والرسمي في جميع الدول العربية من دون استثناء.
وفي ظل نسب نمو لا تتعدى 2% في أفضل الأحوال، يحاول المواطن العربي تدبير شؤونه اليومية، وتأمين مصاريفه ومصاريف عائلته، فكيف يستطيع مواجهة ارتفاع أسعار كافة السلع والمواد الغذائية، في ظل محدودية الرواتب والأجور؟ وهل يكفي الراتب الشهري لتسديد جميع النفقات اليومية والمتطلبات الحياتية.
في هذا التقرير، نحاول رصد كيفية تدبير المواطن شؤونه اليومية، وتسديد جميع المصاريف، حيث قام مراسلو “العربي الجديد” بإجراء مقابلات مع مواطنين من خمس دول عربية، تعاني من أوضاع اقتصادية حرجة، من أجل التعرف على كيفية إنفاق المواطنين رواتبهم.
وتَبيّن من خلال التقارير المصورة، أن معظم بنود الراتب الشهري يذهب لتسديد نفقات المأكل والمشرب، ثم المسكن، فالنفقات التعليمية والعلاجية، وتسديد القروض المصرفية، فيما تغيب بشكل لافت البنود الخاصة بالترفيه أو السفر والسياحة من قائمة اهتمام المواطن العربي.
مصر …ارتفاعات غير مسبوقة
كل الأسعار ارتفعت في مصر بلا استثناء خلال الفترة الماضية، بداية من المواد الغذائية والنقل والمواصلات ونهاية بمصروفات المدارس والجامعات، هكذا يقول محمود السيد المدير العام بوزارة التربية والتعليم، المرتبات باتت لا تكفي تغطية احتياجات نصف الشهر، حتى هؤلاء الذين يحصلون على الحد الأدنى من الأجور وهو 1200 جنيه شهريا بات المبلغ لا يكفي تغطية احتياجات الأسبوع الأول من الشهر خاصة وأن هذا الرقم يعادل 60 دولار عقب تهاوي العملة المحلية وارتفاع الدولار لحاجز 20 جنيها.
قبل أيام شهدت أسعار الدواجن في مصر ارتفاعا كبيرا، ليصل سعر الكيلوجرام من الدواجن البيضاء إلى 23 جنيهاً بدلا من 19 جنيها، وسجل سعر كيلو الدواجن الحمراء إلى 27 جنيها بدلاً من 21، إضافة إلى ارتفاع أسعار بواقي الدجاج، والتي يلجأ إليها الكثير من الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة.
وشهدت الأسواق نقصا شديدا في سلع رئيسية كالسكر وارتفاع سعره لمستويات غير مسبوقة، وكذا زيادات في أسعار العدس والزيوت والأرز.
وطاولت الارتفاعات أهم سلعة يحتاجها الفلاحين وهي الأسمدة حيث رفعت الحكومة قبل أيام، سعره بنسبة 50%، حيث ارتفع سعر الطن من 2000 إلى 3000 جنيه، الأمر الذي أثار غضب الفلاحين، فيما أكد خبراء اقتصاد أن هذه الخطوة بداية جديدة لرفع أسعار الخضروات والفاكهة.
ويتخوف المستهلك المصري من حدوث قفزات في سعر الأدوية والمترو خاصة مع تسريبات باتجاه الحكومة نحو رفع سعر تذكرة المترو إلى الضعف.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، صعود معدل التضخم السنوي إلى مستويات قياسية بلغت 19.4% في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من 13.6% في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
ويأتي ذلك على خلفية الإجراءات التقشفية التي اتخذتها مصر، خلال الفترة الأخيرة، ومنها تعويم العملة المحلية ليرتفع الدولار رسمياً من 8.88 جنيهات إلى نحو 19 جنيهاً، بالإضافة إلى رفع سعر الوقود واتجاه الحكومة إلى إلغاء الدعم.
السعودية .. قروض مصرفية لتغطية العجز
تعاني السعودية أوضاعاً اقتصادية صعبة بعد انخفاض أسعار النفط في عام 2014، وقد انعكست هذه الأوضاع على حياة المواطنين. يقول الموظف حمد مبارك البغيق، في إحدى الشركات، إن “راتبه لا يتعدى 2100 دولار، يسدد نحو 30% للمأكل والمشرب، و25% للمسكن، كما أنه يقتطع نحو 30% من راتبه لتسديد قرض مصرفي”.
أما منصور العنزي، فيقول إن “راتبه يصل إلى نحو 2000 دولار، ويقوم بتسديد 26% من راتبه للسكن، كما يسدد قرضا مصرفيا يصل إلى نحو 36% من أساس راتبه، بالإضافة إلى ذلك، هناك نحو 13% تُنفق على بند المصاريف الشخصية”.
أوضاع ضاغطة في لبنان
في لبنان، الراتب لا يكفي لتسديد النفقات اليومية من مأكل ومشرب وأقساط مصرفية، بحسب ما يؤكده المواطن فراس الدباغ (24 عاماً). يقول دباغ “إن راتبه يصل إلى نحو 1400 دولار، مقسم على الشكل التالي: 25% قرضا مصرفيا ثمن سيارته، و10% تعبئة وقود، و21% مصاريف يومية من مأكل ومشرب، بالإضافة إلى تسديد نحو 21% من راتبه للنفقات السكنية”.
في غزة… حصار وأكثر
يقول المواطنون في قطاع غزة إن نحو 70% من الرواتب لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي في القطاع، كما أن 70% من الموظفين مثقلون بالديون. ويقول أحد المواطنين “إن 70% من راتبه يذهب للمأكل والمشرب، ونحو 30% من الراتب يسدد لنفقات التعليم والعلاج”.
70 % من الرواتب لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي في قطاع غزة
الجزائر … فقر ومديونية
يقول محمد بختي، موظف متقاعد، إن “راتبه لا يتعدى 271 دولاراً، يدفع نحو 45% منه لتأمين المصارف اليومية من مأكل ومشرب، كما يدفع نحو 17% لتسديد فواتير الماء والكهرباء، ويحتاج إلى نحو 38% لتسديد مصاريف أخرى طارئة شهرياً”.
أما حاسين حميد (موظف في قطاع المالية)، فيقول إن “راتبه الشهري يصل إلى 360 دولاراً، مقسم على الشكل التالي: 50% لتسديد مصاريف يومية من مأكل ومشرب، و50% مخصصة للعلاج ونفقات أخرى”.
تونس .. ضغوط معيشية
يعمل محمد رامي في قطاع التعليم في تونس، يتقاضى 700 دولار، يسدد 20% من راتبه لبند السكن، ويدفع 30% من راتبه لتسديد المصاريف اليومية من مأكل ومشرب، كما يدفع نحو 15% لتسديد نفقات النقل، بالإضافة إلى ذلك، يسدد 15% من راتبه للتعليم، ونحو 10% تسدد ثمن فواتير الكهرباء والماء. ويشير رامي إلى أنه يحاول في بعض الأحيان توفير 25% من راتبه لتسديد نفقات سياحية وترفيهية.
يبدو من خلال هذه الجولة التي قام بها مراسلو “العربي الجديد”، أن بنود الترفيه والسياحة لا تحتل أي مكانة في حياة من قابلوهم، إذ إن الراتب لا يكفي لتسديد النفقات اليومية والقروض الشخصية.
العربي الجديد