فعاليات حكومية ومناشط حزبية استغلال المنصب.. اختلاط حابل الحزب بنابل الحكومة

درجت المعارضة، والمثقفون والنشطاءُ، وبعض من الأهالي، على سوق التهم لحزب المؤتمر الوطني وشركائه في السلطة، باستغلال المنصب الحكومي لخدمة أجندات وأهداف حزبية خاصة.

وتحوَّلت هذه التهم لمصدر شك دائم، حين يتصل الأمر بموارد الصرف في هذه الأحزاب، ويتعمق الاتهام –غالب الأحايين- في أشخاص مسؤولي الحزب في السلطة التنفيذية، ممن يتورط بعضهم في استغلال منصبه لصالح الترويج لحزبه، مستخدماً موارد الدولة بطريقة تجافي قانون الأحزاب.

آخر الحوادث المثيرة للجدل، حملتها أنباء يوم أمس (السبت)، وتتصل بانعقاد المؤتمر العام لحزب الأمة الفيدرالي بولاية شمال دارفور، بالتزامن مع فعالية تخص وزارة العمل التي يجلس على سدتها رئيس الحزب، أحمد بابكر نهار، بحاضرة الولاية، مدينة الفاشر.

شواهد
لعل من أبرز الشواهد على ذلك الخطاب الذي دفعت به مفوضية الانتخابات لرئاسة الجمهورية إبان انتخابات العام 2015م، بعد أن لاحظت المفوضية استغلال موارد الدولة في الحملات الانتخابية من قبل منسوبين في حزب المؤتمر الوطني بصورة جلية في بعض الولايات. إذ تم وضع ملصقات دعائية على السيارات الحكومية، ما يعتبر خرقاً صريحاً للمادة “69” من قانون الانتخابات لسنة 2014م. لتطالب المفوضية بوقف استغلال الوزراء والولاة لإمكانيات وموارد الدولة.

وفي هذا الصدد، قال رئيس الجمهورية، رئيس حزب المؤتمر الوطني، عمر البشير، إبان دشينه حملة تبرعات عضوية حزبه للتبرع والمساهمة في إكمال تشييد مبنى برج الحزب (المقر الرئيسي بالخرطوم) بأن الدولة لن تدفع مليماً واحداً للمؤتمر الوطني، وشدّد على أن مال الدولة محرّم على حزبه. وفهم هذا الحديث في سياق إشارة من رئيس المؤتمر الوطني لقطع دابر الاتهامات التي توجه لحزبه على الدوام باستغلال موارد الدولة، رغم أنه ركّز على الدعم المالي المباشر في حديثه، ولم يتطرّق إلى عملية استغلال موارد وإمكانيات الدولة من قبل منسوبي حزبه لمنافع حزبية أو انتخابية وحتى شخصية، ما يشي أن هذا الحديث يفهم في عمومياته على أنه توجيه ليس معنياً به حزب المؤتمر الوطني، بل ينسحب على كل الأحزاب المشاركة في السلطة.

رغم المنع
رغم الوعد الذي قطعه الرئيس البشير، بتحريم المال العام على أحزاب الحكومة، إلا أن شواهد تنهض لتؤكد استمرار التجاوز عند بعض من منسوبي حزبه والأحزاب المشاركة في الحكومة، عبر استغلال صريح للموارد الإدارية التي توفّرها الدولة لتمويل أنشطة حزبية وتنظيمية، سعياً لجذب المناصرين وحشد الجماهير المؤيدة. بل أن بعضاً من مسؤولي هذه الأحزاب يستغلون نفوذهم في إطلاق تصريحات مستفزة حيال الجماهير والقوى السياسية المناوئة، وهي تصريحات توسم عادة بأنها غير مسؤولة، وتزيد من تعقيد الأزمات ولا تسهم في الوصول إلى التسويات وأبرزها تصريحات وزير الإعلام الأمين العام المكلف للحزب الاتحادي د. أحمد البلال بأنه غير مسموح للقوى السياسية بالعمل الحزبي الجماهيري لتنظيم الندوات وتصريحات عدد من مسؤولي المؤتمر الوطني.

ظاهرة متعدية
من أبرز شواهد استغلال المناصب الحكومية وأموال الدولة في تمويل الأنشطة التنظيمية تلك التي درج عليها بعض مسؤولو الأحزاب، خاصة رؤساء الأحزاب المشاركة في السلطة من خلال تنفيذ فعاليات وأنشطة حزبية إبان زياراتهم للولايات لتأدية مهام تنفيذية.

ويتداول الزملاء الإعلاميون المرافقون لوفود تنفيذية عدة شواهد لتقاطع التنفيذي والسياسي، وفي هذا الصدد ينوهون إلى أن رئيس مؤتمر البجا، مساعد رئيس الجمهورية، موسى محمد احمد، كثيراً ما يقرن بين مناشط حزبه وزياراته الرسمية للمنطقة بصفة المساعد، مستغلاً في ذلك سيارات الحكومة للتنقل بين مناشط حزبه وجماهيره.

ذات النهج يقال عن مسلك وزير الصحة رئيس حزب التحرير والعدالة بحر إدريس أبوقردة، الذي لم تخلُ زياراته الأخيرة لدارفور للمشاركة في مؤتمر وزراء الصحة الذي انعقد بنيالا، من أنشطة حزبية.

ومن أبرز الشواهد في استغلال موارد الدولة ما تداولته الصحف حول ظهور عربات تتبع لوزارة الإعلام في لقاء جماهيري نظمه الحزب الاتحادي المسجل بأرض المعارض ببري، بحكم أن وزير الإعلام الدكتور أحمد بلال هو الأمين العام المكلف بشؤون الحزب.

أما أبرز الشواهد لعملية استغلال النفوذ وإمكانيات الدولة في المناشط الحزبية ما تم يوم (السبت) في الفاشر عندما قرن وزير العمل، رئيس حزب الأمة الفيدرالي أحمد بابكر نهار، توقيت عقد مؤتمر الحزب بولاية شمال دارفور مع انعقاد الملتقى الثاني لمديري العمل والإصلاح الإداري بالولايات. ووصل مع وزير العمل، رئيس الحزب، على ذات الطائرة المستأجرة من الوزارة لنقل المشاركين في مؤتمر العمل.

ووصل إلى هناك – أيضاً – الأمين العام لحزب الأمة الفيدرالي وزير الدولة بالتربية عبد الحفيظ الصادق ونائبه عمر سليمان، ورؤساء الحزب بولايات سنار والنيل الأزرق والخرطوم بجانب عدد من قيادات الحزب بالمركز.

استهجان
وقال رئيس حزب الأمة الفيدرالي السابق بشمال دارفور، آدم هري بوش، إذا ثبت أن وصول هذه القيادات إلى الفاشر، تم ضمن وفد ملتقى العمل، فإن ذلك يعد استغلالاً صارخاً لإمكانيات الدولة من رئيس الحزب الذي سيكون قد وفّر عليه تكلفة نقل القيادات المشاركة إلى الفاشر.

وبدوره، يقول رئيس منظمة الشفافية السودانية، د. الطيب مختار، إن تعريف الفساد هو إساءة استخدام السلطة، ويمضي شارحاً في حديثه لـ (الصيحة) أنه على ضوء ذلك لا يجوز لأي حزب سياسي سواء كان الحزب الحاكم أو أحد الأحزاب المشاركة معه وحتى المعارضة استغلال إمكانيات الدولة في أنشطة حزبية وذلك وفقاً للمادة (21) من قانون الأحزاب التي حصرت موارد الحزب السياسي في اشتراكات العضوية والتبرعات والهبات من الشركات الوطنية غير الحكومية، وأكدت على ضرورة أن تكون هذه الهبات مسجلة لدى مجلس الأحزاب. مشيراً إلى أن القانون شدّد على أن أي دعم حكومي للأحزاب لابد أن يكون مدرجاً ضمن الموازنة العامة للدولة، مضيفاً أن أي دعم يخرج عن هذه المحددات يندرج في إطار إساءة استخدام السلطة. وعلى ضوء هذا -والحديث ما يزال لمختار- لا يجوز خلط العمل العام بالمنشط الحزبي، وقطع بأن ذلك الفساد بعينه، مطالباً من مجلس الأحزاب إعمال مبدأ المساءلة والمحاسبة.

من جانبه قال القيادي بالمؤتمر الوطني، الفاضل سليمان، إنه ليس هناك ما يمنع مشاركة المسؤول الحكومي في مناشط حزبه متى ما أكمل مهمته العامة التي جاء لأجلها مشاركاً على نفقة الدولة، مبرراً قوله بأن المسؤول لم يأت مستغلاً إمكانيات الدولة. ويختم بأنه لا يرى غضاضة أو مسؤولية في طريقة استغلال المسؤول فائض زمنه.

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة

Exit mobile version