السودان إلى أين ؟ عندما يعجز أهل السياسة في معالجة الأزمة

السودان إلى أين ؟
عندما يعجز أهل السياسة في معالجة الأزمة

قراءة تبحث في مستقبل السودان عبر آراء شابة تمتاز بالجرأة في مجالات الاقتصاد والسياسية ودور الجماعات الإسلامية والحركات المسلحة في بناء مستقبل للسودان، وما هو الشيء المتوقع ثورة أم توافق بين الأطراف السياسية؟ تدهور اقتصادي أم اعتدال وتنمية ؟ عدد من الجوانب نطرحها عبر رؤية شباب القوى السياسية.

رئيس أمانة النساء بحزب المؤتمر الشعبي المعارض، سهير أحمد صلاح:

السودان يحتاج لشخصية ملهمة
ليس بالعلمانية أو الديمقراطية، فقط نقبل الآخر، بل بالدين
إذا عمت الفوضى سيؤدي هذا إلى انهيار الدولة
كثرة السلاح المهرَّب وحيازته من غير القوات النظامية مهدد للدولة

الواقع السياسي الذي أصابه الكثير من الهزات آخرها الدعوة إلى العصيان المدني بعد أن فشلت الحكومة في حل الأزمة السياسية رغم طرحها للحوار وإشراك عدد مقدر من الأحزاب في ذلك، لكن يظل الحوار مجرد اتفاقيات كتبت على ورق ما لم تر مخرجاته النور، بعد أن زعم الحزب الحاكم أن به (عصا موسى) التي ستقتل الخلاف. الخبيرة في الشأن السياسي الدكتورة سهير صلاح، في حديث التجريد للواقع السياسي السودان في مسيرة السودان إلى أين؟ وماذا ينتظر السودان في المرحلة القادمة ؟.

– كيف ترى سهير مستقبل السودان وسط الدعوات للتغيير والعصيان ضد الدولة وإلى ماذا ستؤول؟.
أنا من المتفائلين رغم علمي أن هناك مساران في الحياة السياسية في السودان، لكنني أميل إلى جانب التفاؤل، لكن هناك خياران، الخيار الأول : أن ينجح الحوار وأن تجتمع القوى السياسية بأكملها على برنامج واحد والتنافس داخل السودان ويبدأ في إنفاذ مخرجات الحوار التي تدعو إلى التفاؤل، وتبدأ مرحلة ديمقراطية تؤسس على قيم أهل السودان، وتؤسس لدستور بدأت تظهر ملامحه، وفي الوعي الذي شاهدناه أثناء الحوار بقاعة الصداقة، وكثير من الناس يعتقد أن هذه الأحزاب هي قوى صغيرة وضعيفة، لكن الأفراد الذين جلسوا للحوار كانوا شباباً ماعدا قلة قليلة، جلهم في بداية الأربعينات أو دون ذلك، من خلال النقاش، حتى الحركات المسلحة فوجئنا بالوعي الكبير، هناك تقبل للآخر وانعاش التجارب أثَّر في تفكيرهم الإيجابي تجاه الديمقراطي والاحتفاء بالآخر، حتى القيادات السياسية التي تقدم بها العمر، تأكدوا أن هذا السودان لا يمكن أن تحكمه فئة واحدة أو مجموعة أو طبقة واحدة، لذا كل القوى السياسية بدأت في التفكير، سواءً كان على مستوى الدستور أو القانون أو الثقافة، وكل المحاور التي نوقشت داخل الحوار الوطني اعتقد أنها نوافذ تحتاج لعمل كبير، سيما مع وجود وعي كبير في مجال التداول السلمي للسلطة، حتى في الأقاليم وحاجتها للتنمية، وتحتاج لشخصية ملهمة. ورحم الله شيخ حسن، كان هو الشخصية الملهمة ولا زال بالنسبة لنا أفكاره هي الملهمة في تقبل الآخر، ليس بالعلمانية والديمقراطية فقط، بل بالدين أيضاً سواء أكان مختلفاً في عقيدته أو دينه أو ثقافته أو لغته، وهذا شيء من صميم الدين الإسلامي، ونحتفي بها ونحميها، لذا أنا في هذا الجانب متفائلة، أنا هنا لا أحمِّل المؤتمر الوطني المسؤولية منفرداً، وإنما لكل الشركاء الذين ساهموا في الحوار الوطني وعضو بالنواجز على المخرجات وبنبل شديد وحكمة عالية يستطيعوا أن يخرجوا بهذا البلد إلى بلد عملاق وإلا فإن الخيار الآخر إذا عمت الفوضى ستكون الطامة الكبرى على كل الشعب وكل الأقاليم، لأنه إذا كانت الدولة محاطة بدول غير مستقرة، وهناك كثير من السلاح المهرَّب وكثير من حاملي السلاح من القوى النظامية، هذا كله يؤدي إلى انهيار الدولة كما يحدث في العراق وليبيا واليمن، وإذا أنهارت الدولة لا تكون هناك قوى سياسية، وستعم الفوضى وتظهر العصابات، كما حدث في ليبيا، هي التي تحكم مناطق وتتحكم في البترول وتحتل مناطق وتسيطر على المواطن وشبه دولة، وهذا الأمر مخاطره لن تكون على السودان فقط، وإنما على المحيط بالسودان. جنوب السودان الآن دولة هشة وبها حروب ولم تستقر منذ تأسيسها، كذلك تشاد هي الآن مستقرة، لكن إذا حدثت فوضى في السودان ستؤثر على تشاد تأثيراً مباشراً، وكذلك إثيويبا وأرتريا، لأن هناك سلاح خارج المؤسسات العسكرية، ووجود شبكات التهريب وتهريب المخدرات وتجارة بشر، وهناك وسائل متعلقة بغسيل الأموال وسرقة السيارات والمحاصيل، كل هذه الأشياء ستقود إلى فوضى والتي ستعم منطقة قلب أفريقيا وستؤثر قطعاً على أروبا بازدياد معدلات الهجرة من أناس لن يخافوا ركوب البحر، إذا كان السوريون الدولة التي كانت مستقلة أصبحوا من أكثر الشعوب عبوراً للوصول لأروبا عبر البحار، وهذا سيكون مدخلاً للفوضى لكل المنطقة، والفوضى ستصل مصر وسيناء، وسيؤدي هذا ربما إلى حرب أكبر، لأنه إذا وصلت الفوضى إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط، لابد أن تتعرض دول الشام وفلسطين إلى مثل هذه الفوضى، وهذا جو تتمد فيه – ربما- حركات مثل : داعش وبوكو حرام، وربما تأتي حركات جديدة سواءً أكان عبر لافتة الإسلام أو لافتة أخرى تستثمر هذه الفوضى، ولديهم تجارب، أن داعش وجدت أرضاً وشعباً، وأقامت دولة تصدِّر البترول وتتاجر، وتفعل ما تفعل في هذه المناطق، وكذلك في ليبيا بعض المناطق تسيطر عليها داعش، والمواطن يدخل بإذن ويخرج بإذن من داعش، هذه المسألة نحن لسنا بمنأى عنها إذا وجدت الفوضى تمددت سواءً أكان من أرض الشام أو من ليبيا القريبة، أو من غرب أفريقيا، تمددت علينا بوكو حرام، هذه كلها مخاطر يجب أن نضعها في الحسبان، بعد ذلك لن نتحدث عن التنمية، سيكون الحديث عن الأرواح والأمراض والجوع، حتى معيار الحديث عن مقومات الحياة سيتدنى إلى البحث عن الأمان، وربنا جعل الأمن بعد الطعام مباشرة، (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، وأنا اعتقد أن القوى السياسية واعية لهذه المخاطر، لذلك اعتقد سيتم اللجوء للخيار الأول والضغط على القوى السياسية التي تحاورت، بل والضغط على القوى السياسية التي قبلت بمخرجات الحوار، ولكنها لم تأت من الخارج سواءً أكان الإمام الصادق المهدي أو الحركة الشعبية أو مناوي أو جبريل إبراهيم أو غيرهم، هؤلاء كذلك تقع عليهم مسؤولية كبيرة في تحقيق أهداف أبناء السودان، وحديثهم عن المخرجات كان إيجابياً، يجب أن يكون لديهم خطوات إيجابية تجاه السلام، ونحن قوى سياسية معارضة نعتقد أنهم آن الأوان أن يضعوا أيديهم مع أيدينا، حتى نستطيع أن نخرج بالبلد إلى بر الأمان ولديهم فرصة كبيرة للتغيير وتطبيق ما يؤمنون به.

– الأحزاب التي ظلت تقود دفة الساحة السياسية هل انفرط العقد منها في إدارة الراهن؟.
القوى التقليدية القديمة بما فيها الحركة الإسلامية ماعادت هي الممسكة بمفاصل المجتمع السوداني أو الوضع السياسي، هناك فاعلين كُثر، هناك رؤى كثيرة يحملها الشباب يجب أن تكون لديهم رؤية ثاقبة للتنمية والحريات الشخصية والعامة، ولديهم رؤية في ممارسة الديمقراطية نفسها، وهم أكثر تقبلاً للديمقراطية من الأجيال السابقة، لأنهم (عاشوا في عهد الانترنت)، الأجيال القادمة هي أجيال المستقبل، وهم ركائز الدولة السودانية على أساس الحرية والديمقراطية والمواطنة والتنمية والرؤية الاقتصادية المتأثرة بالعالم من حولنا.

– ما هي مشروعية الخروج على الحاكم ؟.
أنا لست من أنصار جعل مشروعية الخروج على الحاكم فتوى، لكن هناك تقديرات سياسية إذا أراد شخص الخروج على الدولة أو النظام السياسي المحدد يكون لديك حسابات سياسية أمنية، إذا قدر لك أن تنجح، لِمَا لا تخرج؟ تأتي بنظام جديد، لكن إذا كانت تقديرات جميعها تقول : إن خروجك سيؤدي إلى انفلات الأمن ليس من المنظومة الحاكمة، بل يدك أنت الذي تريد القيام بثورة أو تغيير أو غيره، وهناك أدوات كثيرة جداً للتغيير، واحدة منها هذا الحوار الذي سيستوعب كل أبناء السودان في العملية الديمقراطية، هناك مسألة متعلقة بالمواطنة، ومسألة متعلقة بالثروة والسلطة، لكن جعل الخروج على الحاكم فتوى دينية هذا الأمر لا يليق.

– مسألة تغيير النظام مطروحة بشدة هذه الأيام برأيك ما هو البديل؟.
نحن أحوج ما نكون للتغيير، لكن الأمر ليس مسألة بدائل.

– أنتم في المؤتمر الشعبي هل لديكم برنامج للحكم ؟.
نحن لا نريد القول إننا نتولى السلطة، ولكن نحن حزب لدينا برنامج كامل للسلطة، وجزء منه تم تقديمه في أوراق الحوار، والمسألة ليست تولي السلطة، المسألة هي ماهو البرنامج؟، وبرنامجنا به مسائل متعلقة بالدستور والقوانين ومسائل متعلقة بالسياسات والأخلاقيات، كل هذه القضايا نحن قدمنا فيها بدائل، لكن مسألة أن نعمل على تغيير السلطة القائمة نحن نريد تغييراً شاملاً للبرمج الذي يقوم عليه الحكم وليس الأشخاص، ولابد أن يتم تغيير للشخص، ولكننا سندعم البرنامج الذي قدمناه.

– هل سيشارك الشعبي في الحكومة القادمة ؟.
حتى الآن قرار المشاركة لم يأت من الأمانة العامة، لكن المهم أن نتفق على برنامج سياسي محدد ليس بالضرورة أن ينفذه شخص من نفس المنظومة.

– هناك صور كثيرة للتحالفات.. ألا يوجد بينهم من يكون البديل للسلطة القائمة الآن ؟.
للأسف الشديد ليست هناك قوى سياسية لديها برنامج متكامل للحكم في السودان، ولكن نحن نرجو من القوى السياسية المتعاونة معنا بعد إنفاذ مخرجات الحوار وتأسيس الحكومة الجديدة (حكومة الوفاق الوطني)، أن تنتظم المنظومات في منظومات كبيرة تعرض على المجتمع السوداني برامجها في مجال التعليم في مجال الصحة والسياسة، حتى يكون التنافس على البرنامج وليس الحزب أو الأشخاص، نحن نريد بعد الحوار الوطني أن ننتقل بالشعب السوداني والأحزاب السياسية إلى أن تكون عندها برامج، وهذا واحد من تمارين الديمقراطية التي تجبر القوى السياسية أن يكون لها برنامج ودليل للشعب، وبعد حكومة الوفاق الوطني سيكون هناك سوق للتنافس.

– الكم الهائل من هذه الأحزاب ما دورهم وما هو مصيرهم في المرحلة القادمة ؟.
كلما تعددت المنابر بالقوى السياسية التي تتنافس على الحكم، أنا اعتقد أن هذا مؤشر غير جيد، ورؤيتنا أن تتوحد التيارات ذات الخلفيات المتشابهة بتيار عريض ويتفقوا على البرنامج العام، ويتم التنسيق بينهم تجاه برامج محددة، ونحن ندفع من أجل بناء منظومة كبيرة لجمع أكبر من المنظومات الموجودة، الآن سنفتح هذه المسألة لكل القوى، ولن يكون البرنامج (حقنا)، ومن لا يريد عليه أن يكوِّن منظومة أخرى للتنافس، ويكون هناك ثلاث أو أربع منظومات، والمواطن يختار، والأجدر هو من يثبت، والشعب يولي صاحب البرنامج الذي يجد الأغلبية، وفي أثناء الحوار كانت لنا دعوات لتوحد أهل السودان تحت مظلات، ووجدنا أن هذه الأحزاب تتفق في أكثر من 90% من برامجها، وهناك من اقترح تكوين حزب الحوار، من كل القوى التي شاركت في الحوار بعد التوافق.

– هناك ثلاث قوى سياسية كبيرة في السودان، لكنها ثلاث مدارس مختلفة، وهي تعاني من التشرذم والخلاف، إلى أي مدى يمكن لهذا المرجعيات الفكرية مواجهه التحدي في الصمود والبقاء أمام تيار التجديد؟.
الأحزاب الكبيرة حزب الأمة بفروعه، والاتحاديون والإسلاميون بمختلف مسمياتهم والمسؤولية التاريخية المتعلقة بهذه الأحزاب والتطور السياسي الحادث في السودان يقع على عاتقهم، ولا أبرر للمؤتمر الشعبي أو الوطني، كلنا نتحمل ما آل إليه الوطن، وحتى الحركة الشعبية. منذ 53 وحتى الآن كل هؤلاء تاريخياً لا يمكن إخراج شخص منهم خارج إطار المسؤولية، لكن في تاريخ الأمم نجد أن مسائل الصعود والهبوط وتكوينها ولحمتها لابد أن تمر بظروف صعبة جداً حتى يؤدي إلى الرؤية القومية للدولة المحددة، والسودان مر بكل المراحل من حروب ومجاعات وانتكاسات سياسية لحكم ديمقراطي وحكم ديكتاتوري وحكم عسكري، كل هذه اعتقد أن هناك خبرات تراكمية موجودة عبر الأحزاب، وكثير من هذه الأحزاب وصلت درجة التعقل، وجزء من هذا التعقل أظهره المؤتمر الوطني بدعوته للحوار، لأنه وصل إلى طريق مسدود وقناعة لا يمكن لقوى سياسية أن تحكم، وأن تبدأ دورة جديدة، وهذا التراكم سيقود إلى الاستقرار، وهذه القيادات الكبيرة قد تزهد في السلطة، وهذه الأحزاب حتى تكفر عن أخطائها لابد لها من إفساح المجال، والآن المجال ليس مجال أحزاب، بل منظومات كبيرة والأحزاب إذا لم تبن عبر مؤسسات لن تستطيع أن تقدم شيئاً للسودان.

– ما هو الشكل الذي ستكون عليه التيارات الإسلامية مستقبلاً، هل ستذوب في المجتمع كما أوصى النظام الخالف؟.
هم الآن ذائبون في المجتمع، والشعبي طارح مع آخرين – ليس منفرداً- المنظومة الخالفة، وربما تختفي بعض الأسماء وتختفي أحزاب وتظهر أحزاب وتختفي شخصيات وتظهر شخصيات جديدة ما بعد حكومة الوفاق الوطني، ستبدوا أحزاب جديدة بأسماء جديدة بمنظومات جديدة تغيير كامل، لكن هناك مؤشرات ستحدث مرحلة شبيهة بما حدث بعد سقوط نميري، الأحزاب السياسية ستبدأ في تنظيم أنفسها بطريقة مباشرة أو برامجها ومن تريد الائتلاف مع بعضها البعض، والأحزاب بالخارج الحركات أو غيرها ربما تعود أو تندمج في حركات سياسية موجودة أو تتحالف معها.

– كيف ترى مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية في ظل وجود إدارة جديدة ؟.
شخصية ترامب شخصية واضحة، لكن الولايات المتحدة الأمريكية تحكمها مؤسسات يحكمها دستور وبرلمان، على الرغم من ذلك تعتبر شخصية الرئيس مؤثرة على المحيط الخارجي في القرارات، ومن خلال قراءتي لشخصية ترامب هو يفكر في الداخل الأمريكي أكثر من الخارج، في بناء أمريكا قوية، وخوض حروب خارج أمريكا إهدار للمال والوقت، هو مستثمر يعرف قيمة ذلك، وهو لن يدخل بلاده في حروب لها تكلفة، وهذه محمدة، لكن في كل نظام جديد يأتي يمكن أن تجد مداخل، وإذا وجدنا المداخل وصنعنا (لوبي) جيد تستطيع أن تؤثر، الذي يدور حول السودان تقوم به مجموعة محددة مع الضغط ضد السودان لها (30) أو (40) سنة، إذا السودان عمل بطريقة صحيحة يستطيع أن يحل المعضلة، ونحن نحتاج لمجموعة ذكية سريعة الحركة، قادرة على الوصول لمراكز القرار بصورة سهلة، قادرة على تقديم الحلول في العلاقات الأمريكية بصورة واضحة (دبلوماسي وأمني)، داخل الكونغرس، وبها منطق ومصالح واضحة للطرفين.

حوار : سلمى عبدالله
صحيفة التيار

Exit mobile version