تدفع وزارة الأوقاف والإرشاد مبلغ (23) ألف دولار شهرياً لإيجار مقرها الحالي، وبمضاهاة ذلك المبلغ بالجنيه السوداني نجده يعادل (366) ألف جنيه سوداني وفقاً لأسعار بنك السودان. الوزير برّر دفع هذا الرقم باعتباره هدية مقدمة للوزارة من دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما شبّه برلمانيون حجته الشبيهة بـ (هذا لكم وهذا أهدي لي)، فما بال الوزارة إن ذلك الرقم يتم دفعه في زمان قحط اقتصادي.
وكشفت لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني، عن استئجار وزارة الموارد البشرية لمبنى تصل قيمته لـ (600) ألف جنيه يتم دفعها بواسطة وزارة المالية، في وقتٍ جددت فيه وزارة الإرشاد والأوقاف استئجار مبانيها بقيمة (23) ألف دولار شهرياً، بصورة جعلت الجدال يحتدم بصورة كبيرة داخل البرلمان، خاصة في لجنة الشؤون البرلمانية التي طالبت بإيقاف إيجار تلك المباني تماشياً مع أوضاع البلاد الاقتصادية.
الضائقة الاقتصادية
عدة عوامل اقتصادية تأثرت بها الخرطوم، مثل الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد منذ العام 1997م، ثم الأزمة المالية التي ضربت السوق العالمية، لكن مع انفصال الجنوب في العام 2011 بثلثي حصة البلاد النفطية، وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، ظهر إلى السطح مصطلح سياسة تقشفية وخفض إنفاق الحكومة.
وتشمل سياسات خفض الإنفاق الحكومي بالضرورة، خفض بند المرتبات والسيارات وإيجارات المباني، ووصل الأمر إلى حدود البشر، فصدرت عدة قرارات بتخفيض عدد الدستوريين، وتخفيض رواتبهم مع المنصرفات الأخرى.
لكن طبقاً لمراقبين، فإن إجراءات الدولة كانت خجولة للغاية فيما يختص بسياسة خفض الإنفاق الحكومي، حيث لا يزال الجهاز التنفيذي مترهلاً، بوقت لجأت فيه الدولة عدة مرات لرفع الدعم عن سلع أساسية تشمل المحروقات والقمح والسكر، ومؤخراً الدواء.
دعوات للتقشف
مع حديث الدولة عن التقشف ومناداتها المتكررة بذلك ظلت قضية إيجار المؤسسات الحكومية للوزارات والمؤسسات المختلفة محل جدل كبير. مثلا أثار المبلغ المدفوع لإيجار مبنى وزارة التنمية البشرية ببرج الاتصالات المطل على النيل جدلاً كبيراً لا سيما أنه مبنى فندقي كامل.
علو الأصوات المنتقدة لهذه الظاهرة، دفع إلى إجراء مراجعات للوزارات المستأجِرة، وبالفعل ظهرت أرقام فلكية لبعض الإيجارات ويتم سدادها بواسطة وزارة المالية ت. وقال والي الخرطوم، الفريق أول ركن مهندس، عبد الرحيم محمد حسين، مع بداية عهده في حكم الولاية، إنه لم يجد شيئاً يبيعه، ما يعني أن كثيراً من مباني الدولة تم بيعها بالفعل، فاضطرت مؤسساتها للإيجار، مع الأخذ في الحسبان أن قرار الدولة القاضي بتحويل الوزارات القابع جلها بشارع النيل بالخرطوم لمناطق متفرقة في الولاية بحسبان أن شارع النيل يعتبر مكاناً سياحياً وأثرياً.
لكن رغم ذلك تبقى قضية استئجار المباني للوزارات قضية كبيرة ومهمة خاصة مع الأرقام الطائلة التي تدفع البرلمان ذاته لاستهجانها.
هدر للمال العام
وكانت لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني، كشفت عن تأجير وزارة الموارد البشرية لمبانٍ تصل قيمتها لـ(600) ألف جنيه في الشهر تدفع من خزينة وزارة المالية، بالإضافة إلى استئجار مبنى لوزارة الإرشاد والأوقاف بقيمة (23) ألف دولار، علما بأن سعر الدولار الرسمي (15.9) جنيه.
وصوّب عضو المجلس الوطني المستقل مبارك النور انتقادات عنيفة لكل من وزارتي الإرشاد والأوقاف وتنمية الموارد البشرية بسبب ما أسماه (إهدار المال العام)، وقال في حديثه لـ (الصيحة) إنهم وجهوا من قبل وزير الإرشاد والأوقاف بإيقاف إيجار مبنى الوزارة البالغ قيمته (23) ألف دولار في الشهر، إلا أن الوزارة لم تستجب، وأضاف بأنهم فوجئوا أمس الأول عند لقائهم بوزير الإرشاد والأوقاف بأنهم ما زالوا في ذات المبنى مثار الجدل، بتبرير أن قيمة الإيجار عبارة عن هدية للوزارة من قبل حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأبدى النور استغرابه من حديث وزير الأوقاف بحسبان أن هذه الأموال خاصة بحكومة السودان، مكرراً أن ما تقوم به الوزارة إهدار للمال العام، وعدم مراعاة للوضع الاقتصادي المأزوم، مشيراً إلى أن أموال الإيجارات من الممكن أن تشتري مباني جاهزة للدولة.
وضع مترهّل
يرى عضو مجلس الولايات العميد مهندس صلاح كرار، أن إيجار مباني الوزارات والمؤسسات الحكومية يشكل عبئاً كبيراً على الدولة وعلى الميزانية، مشيراً إلى أن مهمة الحكم الاتحادي القضاء على هذه الظواهر التي بدأت تتكاثر يوماً بعد يوم ما أرهق ميزانية الدولة. وأشار كرار في حديثه مع (الصيحة) إلى ضرورة تسريح عدد كبير من الوزارات مع تشكيل الحكومة الجديدة في يناير المقبل، وقال كرار إن شكل الحكومة بوضعها الحالي يعتبر مترهلاً جداً ولا يتناسب مع أوضاع البلاد الاقتصادية، وضرب العميد مثالاً بنفسه عندما كان وزيراً في حقبة الإنقاذ الأولى لوزارة النقل والمواصلات والسياحة التي تتخذ من مبنى حكومي متواضع مقراً لها، وفي المقابل تؤدي دورها كاملاً. مضيفاً بأن تلكم الوزارة أصبحت حالياً سبع وزارات في سبع مبانٍ متفرقة، وبها عدد كبير من الوزراء ووزراء الدولة، مضيفاً بأن كل شخص منهم يريد أن يكون له مبنى حديث ومجهز، وزاد بأن بعض الوزارات ستجفف في في الفترة المقبلة لتتواكب مع الوضع الجديد في مبانٍ بسيطة.
هيبة الدولة
يذهب الخبير الاقتصادي، د. محمد الناير إلى أن أمر إيجار مباني الوزارات يعتبر تقليلاً من هيبة الدولة. وقال لـ (الصيحة) إنه من غير المعقول أن تؤجر وزارة مبنى لها من شخص أو من شركة في ظل وجود عدد كبير من مباني الحكومة.
ورأى الناير أن الدولة قادرة على توفير مبانٍ لتلك الوزارات بتأهيل عدد من مبانيها الحكومية، مضيفاً بأن ميزانية الإيجارات تعتبر مزعجة للغاية في الموازنة العامة، مشيراً إلى أن قرار الدولة السابق بتحويل الوزارات من وسط الخرطوم إلى أماكن أخرى يسير ببطء شديد، مضيفاً بأن ذلك إذا تم سيوفر أموالاً كبيرة جداً لبناء مجمعات لتلك الوزارات.
وعطفاً على الوارد عاليه، قال عضو البرلمان مبارك النور خلال حديثه لـ(الصيحة): ما الذي يمنع قيام مبانٍ أو إيجارها بأطراف الخرطوم للوزارات تقليلاً للصرف، واتفق معه في ذلك العميد صلاح كرار بضرورة مراجعة كل الإجراءات المتعلقة بإيجارات المباني الحكومية، بينما رأى د. محمد الناير أن الدولة قادرة على توفير مقرات خاصة بها من مبانيها وتأهيلها إن رغبت في ذلك.
الصيحة