العلم يقود العالم
نشكر لأهلنا في شرق السودان استقبالهم الحاشد للسيد رئيس الجمهورية فقد تنادوا من كل فج عميق وهم يركبون اللواري ( السفنجات ) و يمتطون الدواب أو يرتجلون على أقدام حفها السير , فقد جاءوا من صحاري ووديان الشرق و خرجوا من بين أشجار المسكيت …
و نشكر للرئيس ذلك الخطاب الضافي الذي تحدث فيه عن الانجاز و الإعجاز الذي أحدثته الإنقاذ طول هذه السني الخضر و التي تتوجت بلقائه مع أهلنا في الشرق الحبيب و الذي سكن بعد حراك الحروب و اعتراك الفقر …
وقد تحدث السيد الرئيس بلهجة المنتصر و المتحدي في آن واحد و ما ندري من يتحدى الرئيس و على من انتصر ؟؟؟
ما يدمي القلب و يثير الألم أننا كلنا سودانيون , المنتصر فينا مهزوم و المغلوب فينا مهزوم و الدولة بيننا في انهيار تمام و الوطن فينا مسحوق مسحوق …
و ما نعلمه أن ليس كل دعاة العصيان ينسلون من أجداث المعارضة , ففيهم الأشراف و الأطهار الأنقيان الذين خرجوا من رحم الحركة الإسلامية أو من بطون الوطن العزيز و ما جمعتهم إلا الحالة التي وصلت إليها البلاد أو الاستعلاء الذي أوصلتهم إليه ممارسة المؤتمر الوطني للسياسة .
إن دعاة العصيان المدني ليس كلهم من ينادي بإسقاط النظام . إن فيهم من يدعو إلى الإصلاح العام و فيهم من يدعو إلى التغيير السلمي للنظام كما فيهم فتات الأحزاب التي وجدت ضالتها لتنفذ بأجندتها في اسقاط النظام …
إن دعاة العصيان المدني شباب يمثلون السواد الأعظم من الشعب السوداني الذي اكتوى بنار الغلاء و اشتكى فشل السياسات و احتكار السلطة …
و قد كفل لهم الدستور حق الاعتراض بكافة الوسائل السلمية فلماذا يخرج السيد الرئيس على الدستور الذي مهره بتوقيعه و يهدد دعاة العصيان باستخدام القوة ؟
لماذا لم تكن في خطاب السيد الرئيس بارقة من أمل للانفراج السياسي و تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي بات الشعب السوداني يعول عليها كثيرا ؟
لماذا لم يفرق السيد الرئيس بين المطالبين بالحق الدستوري و بين معارضيه الذين ليس لهم ثقل حتى بين دعاة العصيان المدني ؟
للأسف إن خطاب المؤتمر الوطني لم يكن موفقا في مخاطبة المشكل السوداني بل سيزيد من الاحتقان الشعبي و الشبابي ( النار من مستصغر الشرر) و سيكون عام 2017 م عاما أسودا على السودان إن لم يتغير الخطاب إلى ما يصلح شأن البلاد إصلاحا سلميا …
إن القدرة على التغيير ليس كما كانت يتحكم فيها الحكام و الرؤساء إنها أصبحت في فضاء آخر تماما يبعد عن قبضتهم و ستتسع بصورة أكبر في مقبل السنين القادمة …
إن الكيبورت الذي سخر من مبارك من قبل وهو يعلم أن دولته بل و العالم كله أصبح يدار به قد عجل بنهايته و قادر مصر إلى دمارها الذي نشهده اليوم …
و هذا الكيبورت يدير الآن العالم من على البعد و يحدث النقلة السياسية و الاقتصادية و التجارية و الاجتماعية , و هذا الكيبورت تفاعل معه رؤساء الغرب فعرفوا قضايا شعوبهم و تطلعات شبابهم فتفاعلوا و تجاوبوا معها بكل هدوء و عقلانية و صدق …
لا أحد عاقل يسخر من وسائل العصر و ادوات اتصاله و لا أحد عاقل يستبسط انتشار المعلومة و انتقال الآلام و الأحلام في هذا الوقت . فالعاقل من اهتدى بعثرات غيره أو اتخذ العلم له دليلا …
إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت واقعا يحرك الشارع و الوجدان و يتحكم في استقرار الدول و البيوت فلابد من تغيير الخطاب السياسي ليتجه نحو الحق و لابد للعالم الثالث أن يستجيب للوعي الذي احدثته تلك الوسائل في شعوبه …
و على حكومة المؤتمر الوطني أن تتعامل بالعقل و الحكمة مع واقع التواصل الاجتماعي الجديد و عليها تعرف أن تكنلوجيا العلم دخلت البيوت و أن سرعة المعلومة و انتشارها لم تعد كما كانت حصرا على الجرائد و المجلات و هيئات الإذاعة و التلفزيون . إن العالم أصبح منزلا واحدا فقط فكيف تحكمون ؟
العلم يقود العالم الآن و لم يعد للجهل إلا سفك الدماء و فساد الأرض فمالكم كيف تحكمون ؟
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
هذه رسالتي و الله الموفق …
بقلم
عبد الكريم محي الدين