طالعني الخلا

* كلما زادت دعوات المناهضة لسياسات الحكومة، كلما إزدادت أخطاء هذا النظام وتعرَى بالكامل حتى بانت سوءاته عن آخرها، وأصابنا جراءها الخجل مما إرتضيناه لأنفسنا صمتاً ورضوخاً طيلة 27 عاماً عجاف.
* فمنذ مقدم هذا النظام، وضح للجميع أنه يعاني مشكلة بؤس وجفاف في (خطابه السياسي)، فقد ظل يعتمد على الصراخ في توصيل الرسالة بدلاً عن إحترام عقلية المتلقي، ما يدل على خواء المضمون والإعتماد على (العضل) بدلاً عن العقل.
* وفي الفترة الأخيرة باتت كل الخطابات والتصريحات لمنسوبي الوطني والحكومة، تدعو للشفقة والرثاء، وتشير إلى هلع أصاب المستفيدين من بقاء النظام وبات يهدد مصالحهم، فباتت (الهضربة) بالعصيان والدعوة له من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي هي الشغل الشاغل لكل أهل الوطني، حتى بتنا نرى في كل يوم (صحَافاً) جديداً.

* حالة من الاحتجاج التي تسود الشارع بسبب السياسات الاقتصادية الأخيرة، تقابلها حالة من التنمر من النظام، مستخدماً فيها لغة التحدي التي بدأت واضحة للعيان أن الوطني بدا وكأنه يسعى لجر المواطنين جرَاً إلى الشارع، وإفتعال معركة غير موجودة إلا في اذهان قياداته فقط نتيجة للخلخلة التي فاجأهم بها (جيل الواتساب) وهزَ بها أركان النظام، وأبدل بها ليله نهاراً.
* العصيان الذي دعت له المعارضة يوم 19 القادم ممثلة في الشباب العفوي، غير المسيَس بجانب قواعد الأحزاب، لم يتحدث عن صدام مع النظام، أو دعوة إلى الخروج للشارع ومنازلة الوطني كما يتوهم البعض، و كما يسعى، بل طالب بكل أدب وتهذيب و(صوت خفيض)، المواطنين بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج للشارع لأي سبب ضماناً لنجاح وصول رسالتهم التي تؤكد رفضهم لبقاء النظام.
* منسوبو الوطني ومن خلال تصريحاتهم المضطربة وإستفزازهم المتكرر للمواطنين لم يبق أمامهم سوى (كفكفة جلبابهم) وتحديهم لدعاة العصيان بذات اللغة (طالعوني الخلا)..

* ومن محاسن الصدف، ومن أهم اسباب الدعوة لهذا العصيان، تزايد كشف المزيد من ملفات الفساد من منسوبي النظام، والتي أوضحت بجلاء الطريقة التي تُدار بها الدولة، وأسباب تدهور القطاع الإقتصادي الذي تسبب بدوره في إنهيار الدولة تماماً.
* والدلائل على ذلك كثيرة ولا تحصى، ولعل أبرزها حادثة سرقة عملات أجنبية بكميات ضخمة من مكتب محافظ بنك السودان الأسبق وواضع السياسات الاقتصادية والنقدية بالبلاد، صابر محمد الحسن، والتي لم نسمع بعدها بتقديمه للمحاكمة كما حدث مع مجدي وجرجس ومريود في بداية عهد الإنقاذ بسبب العملة، ولم نسمع حتى بسؤاله من قيادة الحزب والدولة (من أين لك هذا).
* وما حدث مع صابر، تكرر مع العشرات بل المئات من منسوبي الوطني، وحادثة سرقة عملات أجنبية من منزل الدكتور قطبي المهدي ليست ببعيدة .
* قضايا كثيرة ومتعددة بات الشارع يحفظ تفاصيلها وأبطالها عن ظهر قلب، ورغم ذلك لا زال النظام والحكومة يظنان أنهما ممسكان بخيوط اللعبة.
* في عهد الإنقاذ تم تعطيل قانون من أين لك هذا، وأُستُبدل بفقه (التحلل).

* وفي عهد الحريات المكبوتة أصبح من يقرر ويتحكم في مصير السودان وشعبه أكثر من 109 من الأُميَون ممن لم يعرفون مسك القلم أو يفكون الخط.
* يحدث كل هذا، ويحتمله المواطن على مضض، ويتزايد معه تحدي قادة الإنقاذ للشعب السوداني، حتى وصلت (اللحم الحي) مع إنهم هم الذين أقروا هذه الزيادات.
* هذا الإستفزاز لا يعني سوى فقدان النظام للبوصلة، وفقدانه لأهم ركائزه في البقاء27 عاماً، وهو المواطن نفسه.
* معظم المسؤولين باتوا يتخبطون بالتصريحات المتناقضة، ويكذبون أنفسهم بأنفسهم، ويمهدون بذلك الطريق للمزيد من الاحتقان.

بلاحدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة

Exit mobile version