أثارت النسبة التي ينتظر إضافتها بين أعضاء القبة البرلمانية ومجلس الولايات من الأعضاء والتي بلغت (118) عضواً، أثارت جدلاً كثيفاً وسط الرأي المحلي سياسياً، لجهة أن الأمر يستبق حكومة الوفاق الوطني المراد تكوينها وتشكيلها إنفاذاً لتوصيات الحوار الوطني أو بدء مرحلة جديدة من الشروع الحقيقي في تشكيل الحكومة الوفاقية، وفقاً لمخرجات الحوار التي سلمت توصياته لرئيس الجمهورية في العاشر من أكتوبر الماضي، فيما قررت الآلية التي تم حلها هي الأخرى أن تبدأ المرحلة الجديدة من عهد الوفاق الوطني بتشكيل الحكومة الوفاقية في أواخر هذا العام، بيد أن حل الآلية التي عملت على متابعة مجريات الحوار يعتبر إيذاناً لبدء مرحلة جديدة وفقاً لتصريحات منسوبي الحكومة للأجهزة الإعلامية، وتأتي أهمية زيادة اعضاء البرلمان في هذه المرحلة الحرجة كواحد من متطلبات الوفاق الديمقراطي وإيذاناً بتشكيل الحكومة القومية أو الوفاقية للدخول في المرحلة الديمقراطية الجديدة من عمر البلاد. وبحسب عضو البرلمان عضو المؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين، فإنه قد تقرر اعتماد مقترح زيادة عضوية مجلس الولايات بإضافة (18) عضواً جديداً ليصبح لكل ولاية من ولايات السودان الثماني عشرة ممثل جديد لها بالمجلس التشريعي، في وقت أعلن فيه عن زيادة أعضاء القبة الخضراء (البرلمان) بـ(100) عضو يمثلون المشاركين في الحوار الوطني (الحركات والاحزاب) التي ليس لها من يمثلها داخل البرلمان. وترى لجنة التعديلات الدستورية التي يمثلها الحسن الأمين أن هذه التعديلات جاءت متسقة مع نصوص الدستور ومخرجات الحوار الوطني، مشيراً إلى أن هذه التعديلات الدستورية سيتم رفعها وإحالتها للهيئة التشريعية نهاية الشهر الجاري لاتخاذ قرار بشأنها.
رؤية من زاويتين
وطاف الدكتور أبو بكر آدم المحلل السياسي والأكاديمي لـ(الإنتباهة) بسرد تاريخي عن دور البرلمان في الحياة السودانية، وقال إن التجربة البرلمانية السودانية بدأت بتكوين مجلس الحاكم العام سنة 1910 لبحث وإجازة القوانين واللوائح والأوامر التي يصدرها الحاكم العام آنذاك، اضافة إلى دور المجلس الاستشاري لشمال السودان 1943-1948م الذي تكون من (30) عضواً من زعماء العشائر ورجال الدين من شمال السودان ورئاسة الحاكم العام. وقال دكتور أبو بكر إن أول جمعية تشريعية بلغ عدد أعضائها (79) عضواً برئاسة الشنقيطي، وقد دأبت على تدريب عدد من النواب والوزراء على نظم الحكم والحياة البرلمانية وسلطة الحكم وإجازة قرار منح السودان حكمه الذاتي كأهم إنجازاتها.
ونظر أبو بكر إلى أمر اضافة أعضاء جدد إلى البرلمان الحالي من زاويتين، إحداهما أن البلاد تستشرف مرحلة حكم جديدة متفق عليها وفق إجراءات الحوار الوطني الذي جرى أخيراً وتمخض عنه اتفاق بزيادة أعضاء البرلمان بناءً على دخول شخوص وقيادات جديدة من القوى السياسية التي كانت خارج العمل السياسي في الدولة، أو أنها كانت بعيدة عن الحراك التنفيذي مثل قوى الحركات المسلحة التي مالت وانحازت للسلام وشكلت حضوراً دائماً في قاعة الصداقة بالخرطوم من خلال اللجان الست للحوار الوطني، مشيراً إلى أن هؤلاء من الواجب إضافتهم للهيئة التشريعية أو السلطة التشريعية لضمان تنفيذ ما اتفق بشأنه من نقاط جوهرية حوتها الوثيقة القومية التي ستتحول إلى دستور ربما في مقبل الأيام. أما الزاوية الأخرى فهي أن الأمر ربما نظر إليه البعض من جانب أعباء إضافية للبرلمان المثقل بالأعضاء بأكثر من (450) عضواً يمثلون أحزاباً وجهات مختلفة، بيد أن أغلبية الأعضاء ينحدرون من المؤتمر الوطني صاحب الأغلبية الديناميكية في المجلس الوطني، وفقاً للدستور الانتقالي الذي تم تشكيل وتكوين المجلس على إثره، وعقب انفصال الجنوب وخروج نواب الحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب تمت إضافة مائة من الأعضاء ليكون عدد النواب إلى هذا العدد (450) عضواً عقب الانتخابات الأخيرة التي جرت بالبلاد وتمخضت عن الحكومة الراهنة، منوهاً بأنه بالإضافة المقترحة والمتفق بشأنها سوف يصير عدد البرلمانيين (550) عضواً، وهذه ربما ألقت أعباءً إضافية مالية على الدولة التي تعاني من أزمة اقتصادية اقتضت تنفيذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية الحادة كرفع الدعم وتعويم العملة الوطنية وتحرير أسعار الدواء مما مثل تحدياً جديداً للبلاد.
أدوار متفاوتة
ولكن الخبير الاستراتيجي الأمين الحسن أشار لـ(الإنتباهة) بقوله إن القيام بإضافة أعضاء جدد للمجلس الوطني يأتي في إطار استشرافه استقبال مرحلة جديدة من الحكم الديمقراطي عقب تكوين الحكومة المتفق بشأنها، وهي التي سوف تحدث أو تقوم بالتغييرات الكبرى المنشودة في الساحة السياسية، في وقت برز فيه أكثر من رأي، حيث أن البعض يرى ضرورة تكوين حكومة وفاق وطني لإدارة المرحلة الانتقالية قبل إقامة الانتخابات الديمقراطية المقبلة التي تخلف خلفها الحكومة الديمقراطية القائمة والدائمة بالبلاد، وسيتمخض عنها قيام ونتائج الانتخابات. في وقت قال فيه آخرون إن خيار حكومة انتقالية هو المهم لتتسنى إدارة أمر البلاد والانتخابات القادمة بطريقة ديمقراطية لا تأثير فيها على جهة. وقال الحسن إن جدية المرحلة تستلزم أمر القائمين على الحكومة بعدم التعرض للبرلمان الحالي بأمر نقصان أو إضافة، ولكن لطالما أن ذلك جاء بناءً على توصيات ونتائج الحوار الوطني فلا مانع من إنفاذ ما تم الاتفاق بشأنه بالرغم من خطل الخطوة على البلاد التي مازالت تستنزف أموالاً طائلة، وأنه بهذه الإضافة وفي هذه الفترة على وجه التحديد يضاعف الأزمة المالية والاقتصادية الناشبة رغم مساعي الحكومة لإدراكها قبل أن يستفحل أمرها، وبالتالي مضاعفة المعاناة على المواطن. وكان مذهب الحسن في هذا الاتجاه يرمي إلى أن تقليص عدد النواب من شانه أن يوفر للبلد الكثير من التكاليف التي كان ينبغي أن توفي بها الحكومة لأعضاء البرلمان الذين يفوق عددهم نصف الألف عضو بمميزات مختلفة. وإذا ما تم تجنيب البرلمان هذه الزيادة فإن الميزانية المرصودة للمجلس الوطني ستقل وستقل معها النثريات المختلفة للأعضاء في ظل التكالب على الخزينة القومية بالمزيد من المنصرفات، مما يؤدي إلى ترشيد الصرف الحكومي وتكثيف الرقابة على أداء الحكومة.
وأشار الأمين الحسن إلى التحدي الإثني في التركيبة التي يمتاز بها البرلمان الآن، حيث أكد أن القانون منح الانتخابات تميزاً ايجابياً لصالح المرأة فكفل لها القانون نسبة 25% من المقاعد في البرلمان، كما هو الحال بالنسبة لنظام التمثيل النسبي الذي ادخل لأول مرة في السودان بهدف إتاحة الفرص لأكبر عدد ممكن من الأحزاب للمشاركة في الهيئة التشريعية القومية والولائية.
أزمة الدستور
وعقب الاستفتاء على حق تقرير المصير المرحلة التي مازال يتذكرها كل سوداني، نجد أنه قد تغيرت تركيبة البرلمان وفقاً لدوائر جغرافية وقوائم تمثيل نسبي منسوبة لحجم السكان، فأصبح يتكون من (354) مقعداً، ويأتي هذا في الوقت الذي إعتبر فيه بعض المتابعين للتعديلات الدستورية للصحيفة أن من أبرز التعديلات في الدستور الانتقالي إضافة (118) نائباً للهيئة التشريعية القومية، منهم (18) عضواً في مجلس الولايات و (100) عضو في المجلس الوطني. ويرى هؤلاء أنه إذا كانت هذه الزيادة ستزيد من فاعلية البرلمان فإن ذلك ستكون له ترتيباته الايجابية، ولكن إذا كانت زيادة من أجل الزيادة فقط والوظيفة الدستورية فإن البرلمان سيتحول إلى سوق لا يختلف عن الأسواق التي يشترى ويباع فيها، وستتفاقم أزمة الوطن بصورة كبيرة، بيد أنهم أعربوا عن أملهم في أن ينعدل الحال وأن يكون من وفد جديداً للمجلس الوطني بقامة وهموم المواطن المغلوب على أمره.. فيما يرى آخرون أن التعديلات جاءت متسقة مع نصوص الدستور ومخرجات الحوار والوثيقة الوطنية، وأعلن عن قرب الانتهاء من صياغة التعديلات الدستورية بعد تشكيل لجنة للصياغة قطعت شوطاً كبيراً في مناقشة التعديلات. وأودعت رئاسة الجمهورية في أكتوبر الماضي تعديلات دستورية منضدة البرلمان، شملت استحداث منصب رئيس الوزراء، ومازال أمر إنفاذها في حالة غموض دائماً، وإضافة مقاعد في البرلمان بالتعيين وتعديل اسم الحكومة الحالية (حكومة الوحدة الوطنية) الى مسمى (حكومة الوفاق الوطني). وهدف التعديلات الدستورية استيعاب مخرجات الحوار الوطني المتعلقة بشكل حكومة جديدة ينتظر تشكيها في يناير المقبل، مما يعني أن ما يتم مجرد التفكير في تطبيقه سيكون أحد تلك العوامل المساعدة في إنزال ما اُتفق بشأنه خلال طاولة الحوار التي طويت رغم غياب المؤثرين في الساحة سياسياً وميدانياً، إذ مازالت الجهات ذات الصلة تبعث جهودها في إطار الاستعداد للمرحلة المقبلة من عمر الحوار الوطني المنقضي والآتي.
الانتباهة