أثارت توجيهات الرئيس السوداني عمر البشير، الأربعاء الماضي، بمراجعة قرار وزارة التربية والتعليم السودانية بإيقاف عقوبة الجلد بالمدارس المختلفة وإعادة العمل بها ردود فعل واسعة انقسم معها السودانيون بين مؤيّد ورافض للخطوة.
ورأى المؤيدون أن الفوضى وعدم الالتزام من قبل الطلاب وغيرها من السلوكيات السلبية، من ألفاظ نابية وعدم الانضباط داخل قاعات الدرس وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى توجيه إساءات للأساتذة وعدم احترامهم نتيجة مباشرة لمنع عقوبة الجلد بالمدارس.
في المقابل، اعتبر المعارضون أن العقوبة نفسية وقاسية تساهم في جعل شخصية الطفل مهزوزة ومعقدة، فضلاً على أنها تزرع فيه الخوف والكذب معاً لتصبح سمة بارزة في سلوكه، كما أن من شأن عودة عقوبة كهذه توليد العنف وتحويل التلميذ إلى مجرم.
وقررت وزارة التربية والتعليم في عام 2010 إيقاف عقوبة الجلد بكافة المدارس السودانية لتأثيرات الخطوة نفسياً وجسمانياً على الطلاب، لا سيما بعد ظهور حالات عنف من قبل بعض الأساتذة أثارت الرأي العام.
واعتبر الرئيس السوداني أن منع الجلد بالمدارس تقليد أعمى للغرب، مشدداً على أهمية “الجلد” في تربية التلاميذ بالنظر إلى عدم اقتصار مهنة التدريس على التعليم فقط، واعتبر السلوكيات السيئة التي تعج بها المدارس حاليا نتاجاً طبيعياً لغياب الضرب كعقاب في المدارس.
وأضاف “التعليم تربية قبل أن يكون تحصيلا دراسيا وتعلم قراءة وكتابة، ولضمان أي عمل لا بد من جزاء وعقوبة”، وضرب مثالا بنفسه قائلا “إنه جلد “60” جلدة في يوم واحد خلال مراحل الدراسة الابتدائية دون أن تقوده العقوبة للحقد على المعلم الذي مارس عليه الضرب لأنه ليس له هدف شخصي معه” .
من جهتهم، شدد تربويون على أهمية استخدام العقاب البدني بالمدارس لتهذيب السلوك لدى التلاميذ باعتباره خطوة أساسية في عملية التربية، فضلاً عن التحفيز.
عقوبة الجلد لا تساعد إطلاقاً على التربية، وإنما تخلق طفلاً معقداً، وتشجع ظاهرة التسرّب من المدارس
بالمقابل، لا يجد هذا الرأي صداه لدى الاختصاصية الاجتماعية أسماء محمد جمعة، والتي أبرزت أن “عقوبة الجلد لا تساعد إطلاقاً على التربية، وإنما تخلق طفلاً معقداً، وتشجع ظاهرة التسرب من المدارس”.
وأضافت في تصريح لـ”العربي الجديد” أن التربية السليمة تكمن في غرس القيم والقدوة الجيدة، لأن التربية عند الطفل تعتمد على التعلم والتقليد، وحينما يجد بيئة صالحة يتعلم منها والعكس، كما أن السلوكيات السلبية التي تشتكي منها المدارس هي نتاج لغياب النموذج الجيد للطفل وانعكاس للبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها”.
وأكدت أن هناك العديد من البدائل للعنف البدني، أهمها خلق بيئة صالحة للتعليم في المدارس، وتوفير الأساتذة والمدربين والكتاب المدرسي والنشاطات التي تعمل على تهذيب سلوكيات التلاميذ، فضلاً عن الدور الأساسي للأسرة في التربية السليمة وتقديم القدوة الحسنة، وأوضحت أن “الأسرة هي السبب الأساسي في عدم احترام الطلاب للأساتذة، فقد تجد طفلاً يشكو من أستاذ وتكون ردة فعل أهله التقليل من شأنه وإظهاره كمن يؤدي واجباً مقابل مبلغ تدفعه فيصغر في نظر التلاميذ، لا سيما بالمدارس الخاصة”.
بدورها قالت المعلمة فاطمة، “سابقاً كنا نقوم بجلد الطلاب وكل ما نلاحظ أنهم يزيدون في العناد دون أن تظهر أي نتيجة إيجابية، مثلاً طالب في الصف الثامن أساسي إذا قمت بضربه بالتأكيد سيثأر لكرامته من الأستاذ بأي طريقة حتى يثبت نفسه أمام أقرانه في الصف”، وأضافت “التربية أساسها البيت والمجتمع والمدرسة مكمل فقط”.
وروت أماني، والدة تلميذ، أنّ ابنها في الصف الخامس تعرض للجلد قبل فترة على الرغم من قرار الوزارة بمنعه، وأنها أخذت وقتاً في إقناعه بالعودة إلى المدرسة، موضحة أن من شأن العقوبة أن تسبب عقداً نفسية للطلاب وتجعلهم في حالة فوبيا من المدرسة.
العربي الجديد