بدرالدين حسن علي: عالم من العنصرية والتطرف وكراهية الآخر

اميل للدراسات التي تقول شيئا مفيدا ، حتى لو كنت مختلفا معها ، وكلما تعاظم الخلاف كبر دماغي واصبحت قادرا على الإستمتاع بالدراسة ، من ذلك مثلا دراسة شيقة جدا نشرتها أراجيك عن الجينات البشرية على الأقل لن تكون تضييعا للوقت ، إلى جانب أنها تعبر عن قناعتي بكراهيتي الشديدة للعنصرية وكراهية الآخر، بل من أجمل ما قرأت في التعاليم الإسلامية : لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والإصلاح .
يعيش العالم حاليًا حالة جنونية من الفوضى، أينما صوّبت وجهك وجدت من يشهر سلاحه بوجه الآخر، كراهية وتطرف ورفض للآخر وعنصرية، ولم يتكبد أحد عناء التفكير ولو للحظة أن جميعنا بشر، لا أفضلية لأحد لا في العرق، ولا في الدين أو اللغة أو الوطن، لكن -بسذاجة شديدة- الكل متمادي في رفض الآخر وكراهيته وقتله لو أمكن !
دراسة التاريخ الجيني للبشرية

تقول أراجيك : بكاد يكون من أجمل وأذكى الأبحاث التي أجريت مؤخرًا، حيث قام فريق من الباحثين من جامعة أوكسفورد وكلية لندن الجامعية، بإطلاق خريطة تفاعلية للتاريخ الجيني للبشرية، وتعرف بخريطة أطلس الجينية، وتكشف لنا هذه الخريطة المذهلة التاريخ الجيني للبشر منذ آلاف السنين، ليس هذا فقط من خلال تتبع الجينات ومراقبة الإندماج الحاصل بين الشعوب قديمًا، يمكننا أيضًا التعرف على أحداث تاريخية، وحركات هجرة جماعية، وغيرها من الأمور المبهمة.
بدأت الحكاية بظهور الإنسان في أفريقيا، لكنها لم تنته هنا، على مدى آلاف السنين كان هناك حركات نزوح وهجرة وتزاوج وحروب إلخ، كل هذا ساهم في إندماج الشعوب مع بعضها وهذا ما تؤكده لنا الخريطة الجينية ، حيث تظهر لنا الإختلاط والإندماج الحاصل بين الأعراق المختلفة، على مدى نحو 4 آلاف عام، من خلال تحليل الحمض النووي لـ1490 شخص من 95 مجموعة عرقية حول العالم، حيث قام الباحثون بتحليل الحمض النووي لنحو 1500 شخص بعد تتبع ومعرفة أصولهم، وبعدها تمت مقارنة الـ 1500 حمض ببعضها البعض، ومعرفة أوجه التشابه والإختلاف بينهم.
صرح الدكتور سايمون مايرز أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، الباحث في قسم علوم الجينات البشرية بجامعة أكسفورد أن “الحمض النووي (DNA) يمتلك القدرة على سرد التاريخ والكشف عن أدق تفاصيل الحقب الماضية للبشرية.”
والمذهل هنا هو التوافق الشديد ما بين نتائج الدراسة، وبين الوقائع والأحداث التاريخية المختلفة، كالحروب وتجارة الرقيق وحركات الهجرة الجماعية، كلها مثبتة تاريخيًا والآن تؤكدها الجينات البشرية، فهذه الأحداث التاريخية الهامة ساهمت بشكل كبير في تشكيل التاريخ الجيني للبشرية، وهى المسؤولة بلا شك عن هذا الإختلاط الذي توضحه لنا الخريطة.
فعلى سبيل المثال : توضح لنا الخريطة أن جينات المغول منتشرة في بقاع مختلفة من العالم، فالأتراك يحملون 3.7% من جينات المغول، بينما شعب اليوغور الموجود في غرب الصين، 25% منه يحمل جينات المغول، أيضًا مثال آخر نُشر في مجلة “ساينس”: الشخص الايرلندي هو 9% يوناني، و4% إيطالي، و45% اسكتلدني، و26% نرويجي،
الخريطة الجينية
والآن نريد أن نجرب هذا الكلام عمليًا، بالدخول إلى خريطة التاريخ الجيني؛ والتعرف على تاريخ بعض المجموعات البشرية في عالمنا العربي، ونتعرف على أصولها من خلال الجينات ..
لنبدأ بمصر:

وتندمج جينات المصريين – كما هو موضح في الخريطة الجينية – بنسبة 17.7% مع الأردنيين، وبنسبة 11.5% مع المغاربة، و8.5% مع الاثيوبيين، و5.7 % مع الإيطاليين، و9.4 % مع الإيرانيين، و8.9 % مع السوريين، و4.8 % مع الأتراك، و3% مع البدون أو البدو، و2.9% مع السعوديين، و2.5% مع اليونانيين، فإذا كنت مصريًا فأنت ببساطة مزيج من كل هؤلاء ..
أما سوريا:

ويندمج السوريون جينيًا مع الإيرانيين بنسبة 31.4%، ومع الأردنيون بنسبة 10%، ومع السعوديين بنسبة 9.4%، ومع الأتراك بنسبة 8.7%، ومع اليونانيين بنسبة 8.8%، ومع الإيطاليين بنسبة 5.3% ..
أما السعودية:

يندمج السعوديون جينيًا مع سوريا بنسبة 32%، ومع المغاربة بنسبة 2%، ومع الإثيوبيين بنسبة 4.4%، ومع الفلسطينيين 1.8%، ومع الإماراتيين بنسبة 14.4% ، ومع البدو بنسبة 29.9% ، ومع الأرمن بنسبة 4% ..
وأخيرًا الأردن:

يندمج الأردنييون جينيًا مع الإيرانيين بنسبة 17.6%، ومع الفلسطينيين بنسبة 12.4%، ومع السورييون بنسبة 8.9%، ومع الأتراك بنسبة 8%، ومع السعوديين بنسبة 6%..
أما إذا كنت في أي دولة عربية أخرى، كل ما عليك هو الدخول للموقع، ثم اختيار دولتك للتعرف على تاريخك الجيني من خلال الخريطة الجينية الموضحة ..
كلنا إنسان

للأسف نحن البشر نمارس العنصرية تجاه بعضنا البعض، بشكل يدعو للدهشة والاستغراب، فليس منا من هو أفضل، نحن متساويين تمامًا، لا العرق ولا اللون ولا الجنسية ولا اللغة ولا الدين ولا كل هذه الأمور مبرر للعنصرية، ولأن يتعالى بعضنا على بعض، إطلاقًا .. من المفترض أن هذا الإختلاف يدعو لإندماج أكبر، لحالة من التعارف وحب الآخر وحب الإختلاف، لا النفور والكراهية والتعصب ..
في حملة رائعة أطلقها موقع momondo بعنوان: lets open our world كمحاولة للتذكير بأن كلنا إنسان، ولا فرق بين أحد، قامت بهذه التجربة التي تثبت ما جاءت به الخريطة والدراسة الجينية، فكانت ردود الأفعال مدهشة حقًا ..في النهاية نحن جميعًا بشر، والإختلاف لم يكن يومًا سببًا للعنصرية والكراهية والقتال، والأهم أن جنسيتك ولونك ووطنك وجنسك كل هذه الأمور لم تكن بإختيارك، لم تتدخل أنت فيها أبدًا، فكيف تفخر بشيء لم تختاره ؟ وكيف تتعالى على الآخرين وتمارس كراهيتك تجاهمم فقط لأنهم من عرق أو وطن مختلف ؟
إنه ضرب من الجنون واللامنطق ..
تبقى ملاحظة هامة : الدراسة يصاحبها فيديو أكثر إمتاعا ، والأن أيها السوداني بما أنك من إفريقيا فابحث
عن ” جينك ” !

بقلم : بدرالدين حسن علي

Exit mobile version