قد يصبح الأمر برمته أكثر غرابة حين يتنامى إلى علمك إصابة حوالي (50%) من تلاميذ مدرسة ثانوية للبنين بـ(قلب) العاصمة “الخرطوم” بـ(مرض البلهارسيا) المعروف عنه ارتباطه بـ(الترع) و(البرك)، ناهيك عن حي يتوسط الولاية ويبعد كثيراً عن أماكن تواجد المرض!!.
فداخل حي (الديوم شرق) بالخرطوم تتجلى معاناة التلاميذ وأسرهم على حد سواء عقب انتشار واسع للمصابين، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الخوف خاصة بمدرسة (الديوم الثانوية بنين) التي بلغت نسبة الإصابة بها بحسب إدارة المدرسة لـ(المجهر) النسبة أعلاه وهي نسبة تعد كبيرة، سيما أن المرض سريع (العدوى) والانتقال مما زاد من مخاوف المعلمين من استعمال (الحمامات) وأيضاً ساهم في ارتفاع حالات الغياب بين التلاميذ، وكذا تدنيهم الأكاديمي الملحوظ وفقاً لإدارة المدرسة.
حالة من الاستياء بدت واضحة على محيا الذين تحدثوا إلينا من الأسر وهم يسردون تفاصيل انتشار المرض، وقد ألقمونا حجراً حين أخبرونا أن أبناءهم كانوا كثيري التردد على (أحواض سباحة) تتبع لأندية شهيرة بالخرطوم، تسببت في إصابتهم بالمرض عقب جراء الفحص الطبي لهم.
تفاصيل القصة بدأت بتنامي حالات الإصابة بمرض “البلهارسيا” وتشخيصها من قبل المركز الصحي لحي (الديوم شرق) الذي كثر التردد عليه مؤخراً، مما دعا القائمين على أمره التقصي لمعرفة أسباب الإصابة التي أرجعها المصابون إلى ترددهم على أندية بعينها مرة أو مرتين خلال الأسبوع. ورغم استنكارهم ـ أي المصابين ـ في بادئ الأمر انتقال المرض لهم من قبل أحواض السباحة تلك لـ(اعتقادهم) الراسخ بها ونظافتها، إلا أنهم رويداً رويداً بدأوا يقتنعون بذلك، فـ”رماح قسم مأمون” (شهادة سودانية) وهو أحد المصابين أكد لـ(المجهر) استبعاده في بادئ الأمر أن تكون إصابته جراء تردده الأسبوعي على حوض سباحة (….) نسبة للنظافة التي يتمتع بها، ليكذب نفسه لاحقاً سيما أنه لا يتردد على سواه. يقول “رماح”: تم تشخيص أعراضي (صداع ـ دوارـ بول مصحوب بقطرات دم) على أنها التهاب في الدم، وبعد عدد من الفحوصات تبين إصابتي بالبلهارسيا، ولم أكن حينها حالة الإصابة الوحيدة، فقد سبقتني عدة حالات بحسب طبيب المركز الصحي.
وتناصف “رماح” القول والدته “رجاء محمد عبد الغني” التي أكدت لـ(المجهر) استبعادها في بادئ الأمر مرض البلهارسيا. وقالت: بداية توقعت أن يكون “رماح” مصاباً بالتهاب في البول سيما أنه كان يشكو من آلام في التبول مصحوبة بدم، ولكن عقب الفحوصات تبين حقيقة المرض. وأضافت: كثيراً ما نبهته إلى عدم التردد على الأحواض وأن ينتبه لدراسته، إلا أنه كان يخالفني. ويقاطعها “رماح” قائلاً:(أنا يدي مكسورة ويتعذر علي ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة غير السباحة). وأردف: (يعني لا نمشي البحر ولا كمان أحواض السباحة، لكن بعد الآن لن أتردد على أي حوض مهما كانت درجة نظافته عالية).
مسبح الصالة الشهيرة المتهم الوحيد!!
“محمد مرتضى” تتشابه قصته و”رماح” في الإصابة بالمرض ويختلفان في (أحوض السباحة) التي يترددان عليها، فـ”محمد” (شهادة سودانية) بمدرسة الديوم شرق بالخرطوم، اعتاد كل جمعة أن يقصد مسبح صالة (….) الشهيرة يقضي يوماً ترفيهياً عقب منعه من قبل أسرته من الذهاب إلى النيل. وبحسب حديثه لـ(المجهر) فإن السباحة هوايته المفضلة التي اعتاد عليها منذ صغره ونزولاً لقرار أسرته قرر ممارستها بأحواض سباحة يشبع من خلالها رغبته ويرضي أسرته في آن واحد، قبل أن يتفاجأ بإصابته بمرض البلهارسيا الذي توقع أن يكون في مأمن منه سيما أنه لا يعرف طريق الترع والبرك يوماً. يقول “محمد”: (بدأت معي أعراض شبيهة بأعراض إصابة “رماح ” وبالكشف اتضح إصابتي بالبلهارسيا، التي بدأت أتعافى منها عقب انقطاعي عن حوض السباحة والتزامي بالعلاج).
وهنا قصة أخرى تتلاقى ومثيلاتها مع القصص عند نقطة التقاء وقاسم مشترك، مفاده أن التردد على بعض أحواض السباحة بوسط الخرطوم كان نتاجه الإصابة بمرض البلهارسيا، بحد قول المصابين. فـ”محمد نزار” الصف الثالث الثانوي (مدرسة الديوم شرق) اعتاد على الذهاب إلى البحر أسبوعياً وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك ليمارس هوايته وحبه للسباحة، دون أي مشاكل صحية تواجهه أو مخاطر جراء التردد المستمر بحد تعبيره لـ(المجهر)، ليفاجأ عقب التحاقه بحوض سباحة (….) بإصابته بالبلهارسيا. ويقول “محمد” ساخراً: (مارست هوايتي وقتاً طويلاً متردداً على البحر ولم أصب بسوء، فحدثت لي الإصابة عقب ترددي على أحواض يفترض أنها نظيفة ومعقمة بالكلور!!)
طلاب يسردون وأولياء أمور يسخطون!!
“محمد بدر الدين عوض” أولى ثانوي (مدرسة الديوم) بدأت قصته مع المرض حين بدأ التردد على أحد أحواض السباحة القريبة من الحي، يقول “محمد” لـ(المجهر): بدأت قبل عيد الضحية بالتردد على أحد أحواض السباحة ولم يستمر الأمر طويلاً (ثلاثة أسابيع فقط) حتى بدأت يداي تصابان بالتقرح و(حبيبات مياه)، انتهى الأمر بالصديد وبعد التشخيص جاءت النتيجة إصابتي بمرض البلهارسيا، مما جعل والدي يسقط مغشياً عليه حين معرفته بنتيجة التشخيص. يشارك “محمد” الحديث زملاء دراسته “ميرغني صلاح” و”محمد الحسن كمال” المصابان أيضاً بذات المرض عقب ترددهم الأسبوعي على أحواض سباحة قريبة من المنطقة، ويؤكدان لـ(المجهر) إصابتهما التي سببت لهما الكثير من المشكلات الصحية التي تركت أثراً واضحاً وكبيراً على دراستهم وتحصيلهم الأكاديمي.
حالة من الغضب رصدتها (المجهر) اعترت وجوه بعض أولياء الأمور الذين استطلعناهم سيما أن تأكيدات، أجمعت على عدم وجود ما يمنع أبناءهم من التردد على أحواض السباحة، فهي بحد وصفهم تعد (أمان) من ذهابهم إلى البحر، مطالبين في الوقت نفسه بالرقابة الكاملة عليها. فـ”قسم مأمون” الشهير بـ(بركية) والد التلميذ “رماح”، صب جام غضبه على بعض أحواض السباحة التي يتم افتتاحها دون الاهتمام الكافي من القائمين على أمرها بنظافتها وتعقيمها كما يجب، لافتاً (المجهر) إلى أن إصابة ابنه لم تكن متوقعة وتساءل عن الكيفية التي تدار بها هذه الأحواض.
وبالمقابل دق مدير العلاقات بالمجلس التربوي لمدرسة (الديوم شرق الثانوية بنين) “عامر عوض جوهر” ناقوس الخطر جراء الإصابات التي وصفها بالمتزايدة والمستمرة، مؤكداً لـ(المجهر) مساعيهم الحثيثة تجاه الوضع قائلاً: (أبلغت أمين المؤتمر الوطني بالمنطقة “محمد الطيب” بخطورة الوضع واقترحت عليه قيام يوم صحي وإرشادي، ووعدني إلا أنه لم يتصل علي). وزاد: (الوضع يعد خطيراً، فالحالات في ازدياد مستمر والأمر صار يعد هاجساً لنا، مما جعلنا نسعى للذهاب لوالي الخرطوم الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” لحل المشكلة، والوقوف على الأحواض القريبة من المنطقة وإخضاعها للمراقبة والفحص لمعرفة مدى سلامتها).
مدير مدرسة يشكو من تدهور الأوضاع
معلومة صادمة ألقمتنا حجراً حين أكد مدير مدرسة (الديوم الشرقية) الثانوية بنين لـ(المجهر) الأستاذ “حامد أحمد إبراهيم” أن مدرسته تحوي فصلاً، نصف تلاميذه مصابون بمرض البلهارسيا مما أثر على تحصيلهم الأكاديمي بنسبة (200%) بحد قوله، مشيراً إلى أن الطلبة المصابين بالمرض يأتون في حالة هزال شديد وضعف عام مما يدفع بعضهم للنوم على الأدراج وضياع اليوم الدراسي عليهم خاصة تلاميذ الصف الثالث، سيما أنهم مقبلون على امتحانات يتطلب معها تركيزاً عالياً. ويقول: المسألة بحاجة لوقفة وتدخل من قبل السلطات لإنقاذ مستقبل هؤلاء التلاميذ، خاصة أن نسبة الإصابة عالية وتقدر بـ(50%) وفي ازدياد، مما ألقى بظلاله السالبة على أجواء المدرسة التي بات يتخوف معلموها من إصابتهم بالعدوى. وأضاف: (نحن من قبلنا كإدارة للمدرسة ليس في يدنا ما نفعله سوى متابعة الطلبة وأخذهم للعلاج ومنحهم فترات راحة مرضية، ولكن الأمر أكبر منا ورقعته في ازدياد وعلى السلطات ضرورة التدخل السريع).
تحذيرات عدة أطلقها كل من (إدريس عبد الله إدريس ـ عبد الرحمن مالك محمد ـ محمد جلال) معلمون بالمدرسة للالتفات إلى الأوضاع الصحية للطلبة وتدنيهم الأكاديمي بسبب المرض، مؤكدين لـ(المجهر) سوء الأوضاع الصحية للتلاميذ. وقال “إدريس”: أحياناً الطالب من الحصة الأولى يستأذن للعودة للمنزل بسبب المرض الذي يظهر على محياهم، وأحياناً منتصف اليوم ويستمر الغياب لمدة أسبوع الأمر الذي يؤثر على مستواهم خاصة طلاب الصف الثالث. وزاد: هذا الأمر أصبح يشكل بالنسبة لنا حاجزاً نفسياً سيما أننا لا نعرف كيف نقدم ما يفيد الطلبة بسبب غيابهم المتكرر.
المجهر السياسي