انتظرتني في بهو ذلك الفندق الفخيم الكائن في الخرطوم إبان زيارتها القصيرة وهي ترتدي كامل ابتسامتها الملائكية رغم ظروف الحزن الأسرية القاهرة التي كانت تمر بها.
شابة.. تضج بالحماس.. تترك شعرها مسدلا في فوضى متعمدة تشير بوضوح لعمق اهتماماتها وترتيب أولوياتها بما يتوافق والإنسانية أولا .
(رانيا الخضراء).. أردنية المنشأ قومية الهوى.. أرغمتني قسرا على الإنصات والتأثر الشديد وهي تحدثني عن أغراض زيارتها الميمونة لبلدي.. والتي تتعلق بتفعيل إمكانية علاج فقدان السمع عن طريق زراعة القوقعة أو الغرسة السمعية لاسيما للأطفال في وقت مبكر ليسمعوا الحياة.
ربما لم أنتبه يوما لهذا الجانب المهم والإنساني بذلك القدر الذي أرغمتني عليه رانيا وهي تحدثني بصدق كبير عن إمكانية نجاح مثل تلك العمليات وارتفاع معدل الأمل وتسوق لي الحكايات الواقعية والبراهين على أنه لم يعد ثمة مستحيل في استعادة أطفالنا لحاسة السمع بالقليل من الجهد والكثير من التعاون كذلك التعاون القائم بين الشركة المنتجة لتلك الغرسات السمعية والتي تعرف بـ(MED-LE) للإلكترونيات الطبية والتي مقرها الإقليمي في دبي وبين مركز (أفريقيا) المتخصص في علاج الأذن والأنف والحنجرة الكائن في بلادي بطاقم عمله المميز وكفاءاته الشابة النادرة والمتطلعة.
ومن أهم مخرجاتي لذلك اللقاء مما لا نكترث له كثيرا ضرورة إجراء الكشف السمعي للأطفال حديثي الولادة في جميع المرافق الصحية.. فإلى أي مدى تهتم وزارة الصحة الموقرة بتوفير هذه الخدمة؟!
وتقول رانيا من واقع خبرتها في المجال إن الكشف المبكر يساهم في سرعة إمكانية العلاج الجذري لمشكلة فقدان السمع عن طريق زرع الغرسة الإلكترونية التي لا تعدو كونها جهازا كهرومغنطيسيا متناهي الصغر يوضع خلف الأذن وتسهل إزالته والتعامل معه ويأتي في مقاسات وأشكال تتماشى مع طبيعة الأطفال ونوعهم من الجنسين.
ذلك الجهاز الذي يعمل وفق طريقة ميسرة وبسيطة يوفر للأذن ذبذبات عالية الدقة تعينها على السمع بوضوح والتعامل مع تفاصيل الحياة على الوجه الأكمل واستلام الرسائل الصوتية بوضوح كالمعتاد!!!
وكلما تمت الاستعانة به في وقت مبكر كانت النتائج مبهرة حالما توفرت معه المتابعة الدائمة وإعادة التأهيل والاستعانة بمختصي النطق والسمع وتعامل المجتمع مع مستخدميه بالقبول اللازم.
وتحتاج التوعية بأهمية زراعة القوقعة لتكاتف جميع الجهات المختصة ابتداء من وزارة الصحة، والمستشفيات الحكومية والخاصة، وأطباء الأطفال، واختصاصيي الأنف والأذن والحنجرة، واختصاصيي السمع والنطق، وأصحاب الحضانات ورياض الأطفال للتشديد على أهمية الكشف المبكر لمشاكل السمع، وإدخالها في استراتجيتها.
حيث ما زالت توجد في وقتنا الحالي العديد من الثغرات في رحلة علاج السمع عند الأطفال، تبدأ عادة أول ثغرة من المنزل حيث يكون التعاطي مع ضعف السمع أو فقدانه بتهاون واستهتار، أو يتم التعامل مع المرضى كما هو الحال في بعض المجتمعات على اعتبارهم عالة أو وصمة اجتماعية لا يمكن المجاهرة بها أو محاولة علاجها.
العالم المتقدم كله الآن يمارس عمليات زراعة القوقعة أو الغرسة التي أصبحت يسيرة جدا ومتوفرة وتساهم (MED-LE) الآن في التعريف بها وتوفيرها في معظم الدول بما فيها السودان.
والحقيقة أن الحكايات والقصص الواقعية التي وقفت عليها تشير بوضوح إلى أن الأمر لا يحتاج منا سوى التعامل بإنسانية وموضوعية والتحرك السريع والتعاون الإيجابي والإيمان الكافي بضرورة استعادة الطفل ما لحقه في الاستماع للحياة والاستمتاع بها.
* تلويح:
لا صوت يعلو فوق صوت الحياة.. فلندعهم يسمعونه بوضوح.
داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي