بينما شغلت قطاعات عديدة من المجتمع مخيلتها في التبحر داخل محيط الاصلاحات الاقتصادية الأخيرة، التي شرعتها الحكومة في سياق كبح جماح سعر الدولار المتصاعد أمام الجنيه، وما صاحبه من عملية اقتصادية جراحية أفضت محصلتها النهائية الى تذويب الجنيه مقابل الدولار، والتداعيات التي خلفتها العملية على صعيد الميزان التجاري من الارتفاع في الأسعار، لكافة السلع ذات الإنتاج المحلي أو المستورد، أدت ذات القضية بالمهتمين والخبراء في الغوص داخل أعماقها عبر التطرق الى المعالجات قبل المسببات خلال ندوة موسومة بـ(ارتفاع الدولار والرقابة على الأسعار) احتضنها المنبر الدوري للمركز القومي للإنتاج الإعلامي بالخرطوم، ليتبارى عبرها في الحديث كل من رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك د.ياسر ميرغني، والخبير الاقتصادي د.محمد الناير، اللذان شرعا في تشخيص علل الحالة الاقتصادية الماثلة قبل أن يمضيا الى دق ناقوس الخطر من خلال تنبيههما بالاخطار الاقتصادية المحدقة بالبلاد، لجهة تراخي الدولة أمام حسم الانفلات في أسعار السلع.
*مسببات الأزمة:
وتأبط المحلل والخبير في الشأن الاقتصادي د. محمد الناير مشرطه محاولاً غرسه في أحشاء الأزمة دون وضع «البنج» عبر أحاديثه التي رمي بها في كبد القضية، معرجاً خلالها الى أن انفصال الجنوب كانت له انعكاسات اقتصادية سالبة أضرت بالميزان الاقتصادي ضرراً بليغاً من خلال تأثيراتها على حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي، وقال كلما زاد حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي دفع ذلك الى حالة من الاستقرار في سعر الصرف للدولار، مقابل العملة المحلية.. مبيناً في ذات الصدد أن البلاد قبل الانفصال كانت تحتل المرتبة الأولى افريقياً والثانية عربياً في جذب الاستثمارات الأجنبية، ومضى الناير الى تشريح الأزمة أكثر حتى توقف لدن ضعف الإنتاج والإنتاجية التي أشار الى أنها تمثل أعراض العجز في الميزان التجاري.. لافتاً في ذات السياق الى أن العجز في الميزان التجاري ارتفع الى 3,8%مليار دولار حتى الربع الأول من العام الحالي.
*ركوب الموجة
معتبراً في ذات الصعيد أن البرنامج الخماسي من حيث الأطر النظرية يعد بالجيد، شريطة التقييد ببنوده وانفاذها على أرض الواقع رغم مرور عامين على إطلاقه، ورمى بسهام نقده قبالة القطاع الخاص عبر تأكيدات دفع بها في سياق تجاوب هذا القطاع مع أي زيادات تطرأ على الدولار مقابل تعنته أمام انخفاضه، وزاد أن الكل أضحى (يركب الموجة) ويبالغ في أسعار منتوجات محلية لا علاقة لها بالدولار، لا من قريب ولا من بعيد رغم تأكيداته بأن الحكومة هي اكبر مشتر للدولار وبعد فذلكة اقتصادية استعرضها في قراءته للواقع الاقتصادي، فتحت شهيته أكثر ليفضي الى وجوب إعادة تقويم تجربة سياسة التحرير الاقتصادي التي قال بإنها هرمت بعيد مضى أكثر من نصف قرن عليها، وزاد بأن ترك الحبل على القارب دون النظر في تقويم التجربة من شأنه أن يؤدي الى حالة أخرى من تفاقم الأزمة، وطرح الناير جملة من القرارت الإصلاحية جازماً بأنها ستعمل على كبح جماح الاقتصاد السوداني، إذا أعطيت الأولوية من قبل المسؤولين معدداً إياها في وجوب إعادة الثقة مابين الدولة والمغتربين، بجانب السعي الى رفع الإنتاجية والزيادة في محور الصادر، والاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية وعدم تصدير المواد الخام.. كاشفاً بأن كل تلك الحزم تأتي اتساقاً تحت مظلة إزالة العقبات الحكومية، التي قال إنها أضحت تقف أمام النهوض بهذه القطاعات، وزاد بالقول إن ترشيد وخفض الإنفاق الحكومي سيؤدي سيسهم في نجاح تعافي الحالة الحرجة للاقتصاد.. مشيراً في ذات الصدد الى حاجة البلاد في قيام بورصة للذهب والمعادن الأخرى، تجنباً للتهريب.. مبيناً في ذات المنحنى بأن 75% من الذهب الخام يتم تهريبه الى خارج البلاد مقابل 25% الذي يشتريه بنك السودان، متحسرة على فقدان البلاد جراء هذا التهريب الى مبلغ أربعة مليار دولار سنوياً.
*فوضوية التسعيرة:
وحاول الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك د.ياسر ميرغني تشخيص الأزمة بعيد تدثره بثوب الصيادلة، عبر استنكاره لخطوة زيادة تسعيرة الدواء، معتبراً في ذات المنوال أن الدواء ليس كمثل سلع (الطحنية) أو «الشعيرية» حتى تمضي الدولة لتدس أياديها خلاله دون دراية كافية منها بغية التحديد في تسعيرته، لافتاً في ذات السياق الى أن توفير الأدوية المنقذة للحياة يعد بمثابة إنسانية وأخلاقية للحكومة في السعي الى توفيرها.. واردف الى أن بخاخ الأزمة «بيجيبو زول واحد» على سبيل الاحتكار طالباً في ذات الشأن دخل الدولة لفك الاحتكار في مجال الأدوية معتبراً توقف 44 مصنعاً للأدوية من جملة 65 مصنعاً مصدقة من وزارة الاستثمار، دون مبررات واضحة من ملاكها بالفوضى التي تستوجب من الحكومة أن «تلعب معاهم ضاغط» وقال لدينا 72 شركة مسجلة في مجال توزيع الدواء، لكنه في ذات الوقت الى أن هذه الشركات تمضي الى تسليم حصصها الى400 شركة أخرى عن طريق السمسرة الدوائية.. كاشفاً في ذات السياق عن وجود شجرة نيمة بالقرب من نادي الأسرة لبيع الدواء للشركات عن طرق بيع الملجة من قبل السماسرة، يطلق عليها ( نيمة فارما) مشيراً الى محدودية الأدوية المسجلة بوزارة الصحة، معتبراً ارتفاع الأسعار العالية لتسجيل الأدوية أدى الى دخول الأدوية المهربة والمغشوشة الى البلاد.
رصد:أيمن المدو
صحيفة آخر لحظة