جالت برأسي خواطر كثيرة وأنا أتأمل الحوار الذي أجرته (الصيحة) مع المقدم إيهاب عبدالمنعم الذي أطلق سراحه مؤخراً بعد عشر سنوات قضاها في أسر حركة العدل والمساواة (جناح جبريل إبراهيم) وقرنت ذلك بحوار آخر أجري مع المهندس أبوبكر حامد الذي انقلب على حركة جبريل إبراهيم وجنح للسلم مقدماً مبادرة متماسكة حظيت بقبول كبير من قيادات وقواعد حركة العدل والمساواة، وكشف أبوبكر عن تعنت غريب من جانب جبريل إبراهيم لمشروع سلام كان للرئيس التشادي إدريس ديبي دوره البارز في دفعه إلى الأمام وإنضاجه.
أهم ما في مبادرة أبي بكر حامد أنها تصدر عن رجل يُحظى بقبول أكبر من ذلك الذي يتمتع به الجميع بمن فيهم رئيس الحركة جبريل إبراهيم بالإضافة إلى كونه يشغل منصب أمين التنظيم والإدارة في الحركة.
استشاط جبريل غضباً لمجرد أن أبابكر حامد انحاز إلى السلام وبذل جهداً في سبيل ذلك فأصدر قراراً بفصل أبي بكر حامد برره بقوله : (حفاظاً على مكتسبات الثورة) فما كان من أبي بكر إلا أن علق على ذلك القول بعبارة محتشدة بالسخرية قال فيها (أنا ما عارف من الذي يحفظ مكتسباتها ومن الذي أضاعها وهذه نتركها للناس في الحركة والمواطنين أما الإعفاء فهو نتيجة الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر لأننا قلنا لا بد أن نسير في طريق السلام المنصف المجزي لكي تستقر البلد والسلام لا يأتي من طرف واحد). ثم قال أبوبكر في جزء آخر من الحوار أن جبريل انزعج من المبادرة والتحركات التي قام بها بين الأطراف والجهات المختلفة وأنه – يقصد أبابكر – (مشى تشاد بدون إذننا) بالرغم من أن جبريل بل ومناوي وعبدالواحد كانوا جميعاً موافقين في البداية على تحركات أبي بكر الأمر الذي جعل أبابكر يعلق على قرار إعفائه وعلى عبارة (مكتسبات الثورة) بالآتي : (مكتسبات العدل والمساواة التي جبناها خلال (13) سنة اعتقد هو أضاعها في لحظة).
يبدو لي أن د.جبريل يعاني من ضغوط كبيرة أرجو أن تقنعه ليرضخ لنداء السلام ذلك أنه يعلم وزن أبي بكر حامد في هياكل الحركة بالإضافة إلى الحقيقة المرة المتمثلة في الضغوط الممارسة على الحركة من تلقاء دولة الجنوب التي اقتنعت بأن كل الحركات السودانية المتمردة سواء الدارفورية أو الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين لقطاع الشمال باتت عبئاً عليها وتحملها ما لاطاقة لها به ذلك أن دولة الجنوب تعاني من حرب أهلية قضت على الأخضر واليابس وتسببت في مجاعات طاحنة ودمار وخراب وموت مما لم يشهد الجنوب له مثيلاً منذ ما قبل غزو الإنجليز للسودان في نهايات القرن التاسع عشر .
الوضع الميداني لحركات دارفور في أسوأ أحواله ولم يكن في أي يوم من الأيام أضعف مما هو عليه الآن منذ انفجار أزمة دارفور في عام (2003)، ولعل معركة “قوز دنقو” التي تكبدت فيها الحركة أكبر خسارة تتلقاها منذ رفعها للسلاح لأول مرة كانت بمثابة قاصمة الظهر التي ربما جعلت كل حملة السلاح يراجعون أنفسهم ويحاسبونها حساباً عسيراً على ما تحقق من تلك الحرب المهلكة بحسابات الأرباح والخسائر فقد خضع كل من قادوا تلك الحرب اللعينة التي تطاولت للسؤال المرعب حول مشروعية حربهم وما إذا كانوا يملكون تفويضاً من شعب دارفور المغلوب على أمره لخوض الحرب بكل ما نتج عنها من موت وخراب ودمار وتشرد لأهل دارفور بل وما أفرزته من خسائر فادحة للسودان سواء على الاقتصاد أو التنمية أو إشانة السمعة على مستوى العالم أجمع.
فوق هذا وذاك فإن مرجعية جبريل الإسلامية التي شب عليها وشاب ربما تكون من أكبر العوامل التي تقض مضجعه وتؤزه أزا، فالرجل في سبيل تبرير مواقفه المتعنتة ربما يصعب عليه إيجاد ما يسوغ إشعال واستدامة تلك الحرب المروعة فضلاً عن إيجاد مبرر لتعنته وهو الذي يعلم المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق من يقودون الصراع ويسعرون الحرب سيما وأن حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يزأر بالوعيد الشديد: (ما يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).
حتى بحساب المصلحة الشخصية فإن على جبريل أن يعلم أن أبابكر برمزيته ومكانته بين مكونات الحركة سيسحب البساط من تحت قدميه ولذلك أشعر أنه لا مفر لجبريل غير تليين مواقفه فإذا كان المهندس أبوبكر حامد قد رضي بقبول وثيقة الدوحة فإن على جبريل ألا يفوّت أية فرصة لأي لقاء يعقد في الدوحة بغرض التوقيع على الاتفاقية ومن ثم مناقشة المطلوبات الأخرى التي طرحها أبوبكر حامد.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة