صيغة توفيقية لحسم أزمة “خط هيثرو” الفساد.. التسوية هل تعيد مال الشعب المسروق؟

في بحثه عن حل لقضية خط هيثرو، كشف وزير العدل د. عوض حسين النور عن اجتماع سيعقد نهاية الشهر الجاري بالخرطوم مع مجموعة عارف الاستثمارية، للتوصل إلى تسوية ودية بشأن القضية المتفجرة منذ سنوات، هذا وإلا استمرت جهود الحكومة السودانية في الوصول بالقضية إلى التحكيم الدولي، مع الاستمرار في مطاردة المتهمين خارج البلاد بواسطة البوليس الدولي (إنتربول).

لكن برزت مخاوف من أن يقود الحل بالتسوية إلى تقديم تنازلات تؤدي إلى خسارات سودانية، أو إفلات متهمين من العقاب كما جرى في الحكم الأول بحق موظفي مكتب والي الخرطوم السابق الدكتور عبد الرحمن الخضر، الذين تم الإفراج عنهم مقابل تسوية تسترد فيها الحكومة المنهوبات العامة عبر نص في قانون الثراء الحرام، ويسمى اختصارا بـ”التحلل”.

وبالرغم من إلغاء الحكم الأول الذي لاقى نقداً شعبياً واسع النطاق، برزت تساؤلات جديدة ما إذا كانت تطمينات الوزير باستمرارهم بالتحريات في قضية مكتب الوالي، واسترداد عدد من قطع الأراضي والسيارات والمبالغ المالية، كافية لإبعاد شبهة التحلل، وتحقق شعار الوزارة بتطبيق قيمة العدل.

نص القانون
تنص المادة (15) من قانون الثراء الحرام لسنة 1989م بأنه (يُعاقب كل شخص يثرى ثراءً حراماً بالسجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات أو غرامة لا تتجاوز ضعف مبلغ المال موضوع الثراء الحرام أو العقوبتين معاً)، وبهذا النص تمت معاقبة عدد من الرموز السياسيين في فترات سبقت الإنقاذ، قبل أن يظهر قانون الثراء الحرام الذي جاء في نص المادة “13” الفقرة “1” أنه (يجوز لكل شخص أثرى ثراءً حراماً أو مشبوهاً أو ساعد في الحصول عليه أن يحلل نفسه هو أو زوجه أو أولاده القصَّر في أي مرحلة قبل فتح الدعوى الجنائية ضده، “2” لأغراض البند “1” يتم التحلل بـ “أ” ردّ المال موضوع الثراء الحرام أو المشبوه وبيان الكيفية التي تم بها الإثراء، أو”ب” ببيان الكيفية التي تم بها الإثراء بالنسبة إلى الشخص الذي ساعد في ذلك.

نماذج
كثير من النماذج تم إعمال نصوص التحلل في ثناياها، وبعضها عُرض على وسائل الإعلام وتم تناوله بصورة كبيرة بين ناقد ومؤيد. ولكن يبقى الشرع والقانون هو ما يحدد مقبولية التحلل من عدمه.

وقال وزير العدل في كلمته أمام نواب البرلمان أمس الأول بأن هنالك لجنة تم تكوينها للاجتماع مع شركة عارف الاستثمارية بغرض الوصول إلى تسوية ودية بشأن قضية هيثرو الذي شغل الدنيا والعالمين، ومن تلك القضايا أيضاً ما حدث بمكتب والي الخرطوم السابق عبد الرحمن الخضر، وتم إطلاق سراح المدانين من موظفي مكتب الوالي بعد اختلاسهما مبلغ (17,8) مليار جنيه، وذلك بعد قبولهما مبدأ التحلل من المال الحرام الشيء الذي أكدته لجنة التحقيق وقتها، وبحسب حديث وزير العدل، فإن لجنة التحري في مخالفات مكتب والي الخرطوم السابق استردت أراضي وسيارات ومبالغ مالية، وقطع وزير العدل بتلقي وزارته لـ 148 شكوى حول الثراء الحرام.

وأثار حديث وزير العدل الجدل من جديد حول قانون التحلّل وشرعيته وتناسلت الأسئلة حول ما إذا كان سيتم التعامل مع قضايا الفساد بالتسوية والجودية أم بالقانون.

جدلية التحلل
وكان الداعية الشيخ عبد الحي يوسف قد أفتى بعدم جواز التحلل الذي نص عليه قانون الثراء الحرام والمشبوه، واعتبره مدعاة لسرقة المال العام، واستنكر الصمت الرسمي على ما يرد في الصحف ووسائط التواصل الاجتماعي بشأن الاعتداء على الأموال العامة، مشيراً إلى أن الناس لا يجدون أي خبر يفيد بمحاكمة الجناة، وقال الشيخ عبد الحي ـ وهو خطيب مجمع خاتم المرسلين بالخرطوم ـ “إن ما يُشاع عن فقه التحلل إنما هو في حق من تاب من قبل أن يُعرف ويُقبض عليه فيرد المال من غير أن يفضح نفسه”، وتابع: “أما من ثبتت عليه الجريمة، فلا يوجد في حقه تحلل، والتحلل في حقه إنما هو إعانة لغيره على السرقة، فإن كُشف تحلَّل وإن لم يُعرف تمتَّع بماله، وهو ما لا يقول به أحد من أهل العلم.

وقطع عبد الحي بأن التحلل لا أصل له في الدين، وزاد: “تجد أحدهم يأكل المال العام ثم يحج ويتصدق ويتكبر عن النصيحة ويعتقد أنه يعمل عملاً صالحاً.

وبدوره، قال المنسق العام لتيار الأمة الواحدة د. محمد علي الجزولي لـ(الصيحة) إن التحلل المشروع هو إرجاع المال إلى ما كان عليه قبل وقوع العقوبة، لافتاً إلى أن هذا لا يمنع معاقبة الجُناة، مشيراً إلى أن التحلل هو جزء من الحكم على المتهم وليس بديلاً للعقوبة، وأضاف الجزولي أنه إذا ما كان من الممكن أن يتم التحلل في أي وقت بعد أخذ الأموال دون عقوبة أخرى لسرق الكثيرون وأعادوا الأموال مرة أخرى بعد أن استفادوا منها، وأشار الجزولي إلى أن هنالك أشياء مهمة يستوجب أخذها في الاعتبار وهي فارق العملة في قيمتها، مشيراً إلى أن مقياس الحساب يجب أن يكون بثمن سعر الذهب لأنه ثابت ولا يتغير بعكس العملة الورقية التي تتأرجح يومياً مما يفقد المال قيمته بعد إرجاعه بفترة طويلة. وعن قضية خط هيثرو أشار الجزولي إلى أنه ملك للشعب السوداني، لافتاً إلى ضرورة محاسبة من تسببوا في بيعه واصفاً إياهم بالخائنين لما استؤمنوا عليه.

من جهته، قال الخبير القانوني بارود صندل إن التسوية والتحلل تجوز في بعض القضايا وليس كلها، موضحاً أن شروط التحلل هي أن يكون هنالك بلاغ مقيد على أن تتم التسوية بطلب من المدان، وعن قضية خط هيثرو تساءل بارود في حديثه مع (الصيحة) عما إذا كان لقضية هيثرو بلاغ أم إنها محض تحقيق.

وأضاف بارود أن قضية مكتب والي الخرطوم السابق لا يجوز فيها التحلل أو استرداد ما تم أخذه إلا بعد أن يكون المتهمون في السجن، ويطلبون التحلل وفق الشروط المطلوب توفرها، واصفاً ما تم في قضية مكتب الوالي بالتسوية السياسية، مشيراً إلى أن هذا مخالف للقانون.

الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة

Exit mobile version