* الإسلام دين عقل؛ لكن بعض (الطناجير) يريدونه محصوراً بأهوائهم، تكريساً للبغي في الأرض، يفعلون ذلك نظير هبات أو (وجاهة) يطمحون فيها بيد سلطان، أي يغلِّبون الأشياء (الشخصية) على المصلحة العامة.. ويستميتون لصبغ اللغة بفتاوى خطيرة ــ في ميقات معلوم ــ هذه الفتاوى المكررة تنال رضاء الحكّام الفسدة؛ وليس مهماً أن ترضى عامة الناس المظلومين بالفساد؛ إذ لا فائدة دنيوية ترجى منهم..! هكذا يبدو تفكير علماء السوء كلما فرض الواقع أمراً يهدد عروش (فتاواهم) التي يتنعمون بثمنها..!
* قبل البداية؛ أنوِّه بأن هذا المقال ينحو للعموم.. وليس رداً على عالمِ سوءٍ بعينه أو (طنجير) قد يخطر ببال القارئ.. فمسألة الخروج على الحاكم (ولي الأمر!) لا يحدها بلد معين؛ ولكنها تمثل (فزاعة) وغرض خسيس في بعض البلدان التي ينتفي فيها أن يكون الحاكم (ولي أمر) أصلاً..! أي البلدان المستباحة بكلِّ ضالٍ مُضِل؛ بينما أهل التقى والعلم الحق يتوارون (ترفعاً أو زهداً.. الخ)..! وطالما أن الفتاوى اجتهاد بشري؛ فمن العيب أن يصمت العلماء الحقيقيون في مواجهة علماء السلطان الذين يحمونه بسواتر يظنونها غير قابلة للإختراق، وأنه لزاماً على العباد أن يطيعوا الحاكم مهما كان جائراً؛ أو يحول بينهم وبين عبادة الله بالقتل؛ التعذيب؛ والتجويع..! هل ثمة نفي للعقل أخطر من هذا (الإلزام) كيفما اتفق؟!
* استهلالاً قلنا إن الإسلام دين عقل؛ بمعنى أوسع فإن قرآن المسلمين الكريم مبرأ من الجمود والدعوة لكبت الأفكار؛ ورحب ــ هذا الدين ــ للاجتهادات البشرية الموصِلة إلى غايات سامية يجمع عليها الخلق؛ مُلتمِسة للخير العام.. فهل ثمة غاية أجلّ وأنبل من تكريم المخلوق الذي كرّمه الخالق؟!.. من وحي هذا أو من حقيقته المجردة؛ يتضح بأن الذلّ سبيلاً لشقاء الإنسان؛ فكيف إذا وصل الحال به إلى الهلاك ونحوه بأيدي مجرمين يحكمونه؟! هل يجوز تسمية المجرمين (أولياء أمر)؟! السؤال لمن يعقلون فقط..!!
* إذا خضعنا بالتسليم لعلماء السلطان الباحثين عن (سعادته) مقابل شقاء الملايين؛ كيف نضمن استقامة العدل وهو (أساس الحكم)؟ بل كيف يتحقق الأمان والخير بالشقاء؟! حسناً.. سنطرح تساؤلات لا تبحث عن إجابة من الحَفظة الذين يفرضون علينا النصوص فرضاً بلا هُدى؛ بقدر ما تبحث التساؤلات عن سند (متين) من أهل المعرفة يسهِّل للعامة أمثالنا استيعاب أن تكون طاعة السلطان ــ مهما يكن ــ واجبة ولا غلاط في صحتها.
1 ــ ما هي المِيَز الواجب توفرها فيجمع الناس حولها بالقول: إن هذا الحاكم تنطبق عليه الشروط الصحيحة (للولاية) وبالتالي فإن الخروج عليه حرام؟!
2 ــ إذا طالت التشوهات الدين بتعمُّد السلطان ثم أتباعه (وكانوا جميعاً يكذبون باسم الدين ذاته) فما المطلوب فِعلهُ من الرعية حتى يحفظون للدين مقامه المقدّس المحمود؟!
3 ــ إذا سطا الحاكم على (الصولجان) بالقوة ولم يبايعه أحد؛ لا قبل السطو ولا بعده؛ فكيف يقتنع المسلم (العاقل) بولايته كي لا يخرج عليه؟ بمعنى آخر؛ فليذكرنا أحدكم بنص من الكتاب العظيم أو السنة الشريفة؛ يدعم وجوب الطاعة له وهو نفسه (خارج) أي الحاكم؟! ذكّرونا؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين وتفتح للكتابة كوى مضيئة بلا عدد؛ تفيد الناس وتخرجهم من ظلمات إلى النور..!
4 ــ إذا أجمع عقلاء في أمة من الأمم بأن استمرار هذا الحاكم أو ذاك فيه خطر على البشر فحسب (وليس الدين الذي أُنزِل من أجلهم) فبأي فتوى يمكن أن يخضع الشعب لأحاديث (العلماء) الداعمين لفرعنة المُشار إليه تحت غطاء الطاعة؟!
5 ــ إذا كان السلطان لصاً؛ قاتلاً محترفاً؛ وسفيهاً لا يطيع الرعية في تلبية رغباتها الملحة (للحياة) بل يدفعه الغرور لكل ما يؤذي ويهلك؛ فكيف نقنع عقلاً (غير مغيّب) بأن المذكور واجب الطاعة؟!
6 ــ إذا كان الحاكم لا يحترم شعبه؛ ولا ذاته؛ وفوق عدم شرعيته يفوز بالتزوير عقب (تمكنه) بالصولجان؛ فلماذا نتجادل أصلاً في طاعته من عدمها؟! إن الفطرة السوية ترفض الكذب (منفرداً) ناهيك عن الظلم وبقية الموبقات و(المؤمن لا يكذب).. أيعقل إتخاذ الكذاب (ولياً)؟ أنظروا كيف شدد رسولنا الكريم في تبغيض الكذب في أكثر من موضع؛ يقول صلى الله عليه وسلّم (من غشنا ليس منا) وغيره من أحاديث تتفـِّـه الغشاشين؛ فكيف يكون الحاكم (ليس منا) ثم يأتي علماء السوء طالبين الخضوع له؟! ألا يناقض هذا العقل (المسلِم) السليم؟! إن التناقض حرى (بالمناقدة!) في مسائل يظل التعويل عليها من علماء السوء مقدماً لخدمة (فرد!!) على حساب (ملايين الناس)..! أفيدونا أيها العلماء الحقيقيون؛ فهذه الأسئلة وما يتبعها لاحقاً بمشيئة الله؛ ليست موجهة لعلماء السلطان..!
أعوذ بالله
أصوات شاهقة – عثمان شبونة
صحيفة الجريدة