بالأمس وأنا في طريقي لزيارة أحد الزملاء غرب أمدرمان ، والنهار قد إنتصف ، لاحظت أن الباعة وأصحاب المحلات في (آخر محطة الشقلة) يسرعون في اغلاق محالهم بتوتر غير معهود ، وساد المكان هرج ومرج ، ولما كانت حالة السخط والتذمر هي المسيطرة في وجوه من هم في تلك المنطقة ..دون سبر أغوار تخيلت أن ثمة مواجهة أو إحتجاجات للمواطنين ستقع ، خاصة وأن أفراد الشرطة إنتشروا بكثافة في المكان ، وعندما إستطلعت الأمر وتبينته تأكدت أن السلطات المحلية تقوم باجراءها الروتيني القاضي باغلاق المحال التجارية لآداء صلاة الجمعة ، فيما (يطنطن) الباعة سراً أن ميقات الصلاة لم يحن ، وماذا لومدت المحلية الزمن نصف ساعة أخرى ، وضحك أحد صغار التجار وقال لرفاقه: ( مادام هناك فروقات الوقت ، مع الظروف الصعبة دي حقو تكون هناك فروقات للبيع).
سألت أحد التجار الصغار وأصحاب المحلات هل المغزى من هذه الحملات (الكشات) هو آداء الصلاة؟ ضحك أحدهم ضحكة مجلجلة وقال: (ياعمك الناس ديل دايرين الغرامة وماحريصين على الصلاة ولايحزنون) ، وأضاف: (نحنا بنجازف ونبيع بعد ما يمشو وبنلحق الصلاة ونقرب البدنة كمان دا موضوع بتاع مأكلة ساااكت).
حرصت على التأكد من حديثه و(قطرت) (دفار الكشة) ولازمته من سوق إلى سوق ، (دكان دكان ، راكوبة راكوبة) وأدى المصلون صلاة الجمعة وخرجوا لينتشروا وليذروا البيع ، ومن هم في الدفار (لم يصلوا) ، وظلوا على (حالهم) ، قدرت أنهم في حالة حرب وربما سيقومون بأداء صلاة الجهاد مستشهدين بماورد في الآية (ود الذين كفروا لوتغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيمليون عليكم ميلة واحدة) ، ولكنهم لم يفعلوا فقط قاموا بالتمشيط وقبضوا المخالفين وعادوا أدراجهم.
حقيقة مثل هذه (الحملات) لن تُرغب المواطنين في التعبد الشعائري وهي أبعد ماتكون لتحقيق هذا الغرض ، بل تنفر الناس عن الصلاة وهي من العبادات الفرضية التي يعرف أبسط المسلمين شروطها ، ويتعلمها الصبي ويجبر عليها في السابعة ، وما شاهدته يوم أمس أن الذين يقومون بهذه الحملات هم الأكثر حاجة للتبصير والتوعية بأهمية الصلاة في ميقاتها ، خاصة وأن كثير من المنكرات بدت ماثلة للعيان وهم ينفذون حملتهم دون أن يقيفوا عندها .
وفي المقابل إذا كانت السلطات المحلية مهتمة بالعبادات وحريصة على خلق مجتمع الفضيلة والخير مجتمع الايمان والشريعة ، لماذا تفصل بين القيم الايمانية وتتمسك ببعضها وتترك الآخر ، فسوق (الشقلة) أمس الجمعة تكدست فيه النفايات وعمت روائحها الكريهة المكان وتناثرت حتى بالقرب من أقرب مسجد ، أليست (النظافة من الإيمان)؟، وأليست مسؤولية حمل هذه الأوساخ تقع على المحلية ؟ ، وماذا لودنست هذه الأوساخ طهارة أحدهم وأخرته عن الصلاة؟.
اغلاق المتاجر لآداء صلاة الجمعة مختلف حوله عند الفقهاء أما إذا كان الغرض جني الغرامات فبالتأكيد لا داعي له، وفي ظروفنا الاقتصادية الحالية إغلاق المحلات يوقع كثير من الضرر على الناس والشريعة جاءت برفع الضرر، وتوسعة الوقت فيها رخصة أيضاً.
الصباح الجديد – أشرف عبدالعزيز
صحيفة الجريدة