يرى سياسيون مصريون أنه لا يمكن فهم التقارب المصري مع إريتريا، خلال الفترة الأخيرة، بمعزل عن التوتر بين القاهرة وأديس أبابا، على خلفية بناء سد النهضة الذي تصر إثيوبيا عليه وتعارضه مصر لأنه يضر بحصتها من مياه النيل خلال السنوات المقبلة. وتمثل إريتريا ورقة ضغط مصرية على إثيوبيا، نظراً للخلافات بين الدولتين، والتي ارتقت أكثر من مرة إلى حروب على الحدود بينهما، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي. ويحاول النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، استخدام ورقة إريتريا ضد إثيوبيا، في محاولة للضغط على الأخيرة للتجاوب بشكل أكبر مع ملف سد النهضة، وتقليل حجم التأثير على مصر لناحية نقص حصتها من المياه.
محمد عز: مصر تدير ملف سد النهضة والأوراق الضاغطة على إثيوبيا بشكل خاطئ
وفي هذا الصدد، استقبل السيسي رئيس إريتريا، أسياسي أفورقي، في زيارة رسمية للقاهرة دامت ثلاثة أيام، بدأت يوم الإثنين الماضي، وتعتبر الثانية خلال بضعة أشهر، إذ سبقتها زيارة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما يعكس قوة العلاقة بين البلدين، في ظل توتر علاقة إثيوبيا مع مصر وإريتريا. واستقلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1991 بعد حرب استمرت ثلاثين عاماً. وخاض البلدان حرباً دموية بين عامي 1998 و2000، واستمر العداء بينهما، وسط نشر قوات مسلحة على الحدود بين البلدين.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، أوفد السيسي أمين رئاسة الجمهورية، عبد العزيز الشريف، إلى سفارة إريتريا في القاهرة، للتهنئة بمناسبة عيد الاستقلال. وشارك أفورقي في حفل تنصيب السيسي في يونيو/حزيران عام 2014، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، بعد الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي.
وقالت مصادر سياسية في القاهرة، إن التقارب الكبير بين مصر وإريتريا مقصود بالتأكيد، في محاولة للضغط على إثيوبيا، للاستفادة من الخلافات بين البلدين والمواجهات المسلحة بينهما. وأضافت المصادر لـ”العربي الجديد” أن التقارب مع خصوم إثيوبيا وإظهار إمكانية التعاون قد يشكل عامل ضغط على أديس أبابا ويدفعها لإبداء مرونة أكبر في التجاوب مع مصر في ملف سد النهضة، مع التلويح دائماً بإمكانية إحداث أزمات لها. ولفتت إلى أن هذا التقارب ليس جديداً، إذ تم عقد اجتماعات بين خبراء ومتخصصين وأجهزة الدولة، سيادية وغير سيادية، لوضع سيناريوهات للتعامل مع إثيوبيا، والبحث عن أوراق ضغط عليها.
وحول إمكانية أن تؤثر العلاقات بين مصر وإريتريا بشكل سلبي على العلاقة مع إثيوبيا، أكدت المصادر أن الهدف من هذا التقارب هو إيصال رسائل لأديس أبابا، وسيكون لها تأثير كبير خلال الفترة المقبلة. وشددت على أنه طُرحت سابقاً مسألة توجيه ضربة عسكرية ﻹثيوبيا وتحديداً للسد، وكان هناك ترويج لهذا السيناريو منذ أشهر قليلة، لكن من دون جدية في التنفيذ، ﻷن الإقدام على مثل هذه الخطوة يدخل في إطار العدوان على دولة أخرى، المحرم في القانون الدولي. ولم تستبعد المصادر أن تقوم مصر بتزويد إريتريا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والتي تُصنع في المصانع الحربية المصرية، وهو أمر لا تشوبه أي شائبة قانونية أو دولية.
التقارب مع خصوم إثيوبيا قد يشكل عامل ضغط على أديس أبابا
ورحب الدبلوماسي السابق، معصوم مرزوق، بهذا التقارب مع إريتريا من باب الضغط على إثيوبيا، في محاولة لاتخاذ خطوة فعلية على أرض الواقع تجاه استكمال الدراسات الفنية حول آثار سد النهضة. وقال لـ”العربي الجديد” إن استخدام ورقة إريتريا والضغط على إثيوبيا يجب أن يحصلا بحذر، حتى لا يكون هناك أي مردود سلبي لهذه الخطوة. وأضاف أن إثيوبيا اتهمت مصر برعاية جماعات معارضة ودعم تحركاتهم والاحتجاجات ضد حكومة أديس أبابا، من خلال استضافة بعضهم في القاهرة، وبالتالي قد يُفهم أن اللقاء بين السيسي ورئيس إريتريا يندرج في إطار المزيد من التنسيق من أجل إحداث اضطرابات داخلية هناك. كذلك، شدد مرزوق على ضرورة التعامل بحذر مع هذا الملف الحساس الذي يحتاج لحنكة في مسألة ممارسة الضغط، بدلاً من كشف كل الأوراق والانجراف إلى الدبلوماسية الساذجة، على حد تعبيره.
وفي شهر أكتوبر/تشرين اﻷول الماضي، اتهم المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية، جيتاجو ردا، مصر بتقديم كافة أشكال الدعم المالي للعناصر الإرهابية وبتدريبها، لنسف الاستقرار في بلاده. وأوضح أن حكومة بلاده تمتلك أدلة واضحة تثبت هذا الأمر. وقال ردا، في مؤتمر صحافي سابق، إن العناصر المناوئة للسلام في إثيوبيا، ويقصد هنا جبهة تحرير أورمو، تتلقى دعماً مالياً وتدريباً في القاهرة، وقيادات المعارضة المسلحة انتقلت من إريتريا إلى القاهرة لتتلقى الأوامر من الأخيرة، من أجل زعزعة الاستقرار واستهداف أمن إثيوبيا القومي.
وعلى الرغم من النفي المصري الذي جاء على لسان السيسي نفسه، إلا أن السياسة المصرية واصلت عملية التقارب مع إريتريا، وهو ما تعكسه زيارة الرئيس أفورقي. وقال الخبير السياسي، محمد عز، إن مصر تدير ملف سد النهضة والأوراق الضاغطة على إثيوبيا بشكل خاطئ، حتى بالتقارب مع إريتريا. وأضاف لـ”العربي الجديد” أن المشكلة تكمن في عدم وضع خطة واستراتيجية محددة للتعامل مع الموقف، بعد دراسة متأنية لكل جوانب ملف بناء سد النهضة، لا سيما أن السيسي نفسه أعطى إثيوبيا الحق في تشييد السد، في خطوة عكست سذاجة كبيرة، وفق تعبيره. وتابع أنه لا بد من إعادة دراسة الملف والاستعانة بأهل الخبرة والمتخصصين من أجل تجاوز هذا المأزق قبل فوات الأوان. وأضاف أن الجميع سيفاجأ بأن أديس أبابا بدأت في ملء خزان السد، وحينها سيكون من الصعب حتى اللجوء للتحكيم الدولي ﻷنه سيكون أمراً واقعاً، بحسب تقديره. وشدد على أن مصر تتعامل مع ملف السد بنوع من “عدم الاكتراث”، دون اتخاذ خطوات فعلية إزاء مماطلة إثيوبيا، بما يضيع حقوق الأجيال المقبلة.
العربي الجديد