الثانية فجرا بتوقيت أمدرمان ، إذاعات (الاف .أم) تدلق علي مسامعي أطيافا من البرامج المحلاة بالادعية والمآثورات ، تستبين ربما خيوط الفجر رغم ان الوقت في واقع الامر الواحدة فجرا بتوقيت الدكتور عصام صديق ! كنت في أنحاء (بري) أشق سكون المكان قادما من (دافنة) إذ وسدنا صديق الثري في رقدة اخيرة ، لن يقوم منها وإن قام حزني عليه في دواخلي ، كنت اخر من مس جسده افك عنه قبل ملمس اللحد بعد أربطة ، وصيت الكفن بنقل تحية وداع وخرجت تلتقطني يد المعزين المعفرة بالتراب ، كانت عيناي تدمع وقلبي ينوح فعبرت المقبرة اتعثر في فضول الشواهد عن هوية القادم الجديد ! قدت سيارتي أعبر (بري) أستعيد تفاصيل يوم بداءه معي الفقيد بمزحة الصباح وثم نعي في منتصف الليل بذات الهاتف ، قطعت الطريق والازقة وجدت نفسي في حمي سكن الزميل وجدي الكردي ، استشرت عقلي في مهاتفته كنت ساطلب منه كرسيا ومجلسا عند منعطف بيته ، وربما كنت لاطلب اذنه لانوح عند صخرة تقوم في اول طريق بيته مثل حائط مبكي ، صرفت الامر ، التقطت بعض ثرثرات الشيوخ ، استمعت لاعادة حلقة مع شاعر ممل الحكايا ، وجدت نفسي قبالة مبان القيادة العامة للجيش ، توجست خيفة ، في مثل هذه المواعيد ابتعد ما استطعت عن تلك الجدر ! كانت مجسمات لطائرة حربية وراس سفينة تشمخ في سواد الليل ، لحظت ان حتي الحراسات تبدو أقل من المعتاد ، وقف جندي يقاتل ملله بالتجوال علي مساحة أمتار ، يذهب ويرجع يضع سلاحه علي كتفه مرة ، ويرده (جنبا سلاح) مرة ! هممت ان ارسل له تحية في السكون بوقا او وميض نور من السيارة ثم غالبني الحذر ، الرجل قد يطلق ساق الذخيرة نحوي ، لا أخطر من ثنائية ملل ونعاس علي ديدبان ، كان هذا الحكي صبيحة الاحد ، العصيان ، وهكذا في وسط هذه الخواطر يقفز قاطعا جدل الهواجس عندي رسالة من صديقة ، اخت كريمة تقيم بالخارج ، مثل غالب اهل المهاجر فروحها بالداخل ، تسألني بحرص هل بالخرطوم انقلاب عسكري ؟ كنت حينها اشق شارع الجامعة واستشرف القصر الجمهوري ، قلت فيما اري الا ان يكون هذا الانقلاب سري وغير معلن قلت لها كنت قبل قليل اعبر في ظل جدران مبان قيادة الجيش ولم ارهم في سكون مثل اليوم ، الجدران والحرس ! وانا الان تماما امام بوابة القصر الرئاسي ، لا شئ لدرجة ان السيارة التي ترابط الي جوار المسجد وتقابل وزارة المالية عربة شرطة ويقطع بعض افرادها الوقت بالصمت ! قالت مصرة ان احدهم أرسل لها تسجيل لبيان مدعم و(مارش) ! قالت ما يكون هناك إنقلاب ! قلت ساتابع الاذاعة القومية ، هذه إذاعة لا يتخطاها بيان منقلب ، تراجع المؤشر للامام والخلف هذه امدرمان (اف 95) ، كان عبد العزيز محمد داؤؤد يشعل رزم ايقاع (الكبريته) علي لحن (هادئ ) يغني (درب الطير ) وهو (شلخ) علي خد سيدة اسمها (سكينة) ! نصحت الصديقة أن (تنام) فليل الخرطوم شكول طويل ، ومضيت اشق الطريق الي امدرمان ، كان الطريق خال حتي من ارتكازات رجال الشرطة المعتادة ، حتي اني افتقدت سؤال بعضهم الطريف (جاي من وين ؟) سؤال لطالما اغاظني واشعرني مرات اني ليلاا اتحول الي مسخ او مخلوق فضائي
محمد حامد جمعة