يبدو أن المؤتمر العاجل الذي دعا إليه وزير الصحة بحر إدريس أبوقردة وتناقلته وسائل الإعلام وأبرزته الصحف في “المينشيتات” الحمراء، إلغاء تسعيرة الدواء، وإعادة الدعم للأدوية، كان عبارة عن مسكنات للمواطن، وكان موقفاً سياسياً أكثر منه رؤية اقتصادية وطبية. فقد جاء ذات الوزير ليعلن عبر تلفزيون السودان في برنامج “في الواجهة”، أن دولار الدواء ليس شأنه، بل هو شأن وزارة المالية وبنك السودان. وقال إنه لم يلغ القرار لأنه يتوقف على تبذب أسعار الدولار. وأجمل القول بأن ما قاله في المؤتمر عنى به إلغاء تسعيرة الأدوية.
المؤكد أن التسعيرة التي يتحدث عنها الوزير ما زالت في علم الغيب، إذ أن الضبابية سيدة الموقف بخصوص تسعيرة الأدوية، فقد ظلت الأسعار كما هي عليه بعد قرار رفع الدعم عن الدواء وارتفاع قيمته بنسب تتراوح ما بين 100ـــ300% في بعض الحالات. والذي يظهر وبحسب – مختصين – فإن الوزير لم يأت بجديد في مؤتمره العاجل سوى دعم 13 صنفاً من أصناف الأدوية بما فيها أدوية الامراض المزمنة والأمراض النفسية والعصبية، وهو ما أثبتته جولة نفذتها (الصيحة) على عدد من الصيدليات. وربما هذا ما دعا وزارة الصحة لتكوين لجنة من رئيس المجلس القومي للأوية والسموم الذي عين مؤخراً د. زين العابدين الفحل ومدير الهيئة العامة للإمدادات الطبية د. جمال خلف الله واثنين آخرين، وهذه اللجنة من المقرر أن تصدر قرارها اليوم حول تسعيرة الأدوية حسب الأمد الذي حدده وزير الصحة بحر أبوقردة والذي ينتهي اليوم.
وفي موازاة ذلك أجبر غياب تسعيرة الدواء والضبابية التي شهدها سوق الدواء عدداً من الشركات على الإحجام عن استيراد الأدوية والتوقف عن العمل خوفاً من الخسارة في ظل ارتفاع سعر الدولار ووصوله إلى أكثر من 19 جنيهاً خاصة أن وزارة الصحة أكدت أنها لم تقر إلغاء قرار وقف الدعم عن الدواء.
وكشف عدد من الصيادلة استطلعتهم (الصيحة) أن الجهات الحكومية المختصة قامت بإغلاق عدد من شركات الأدوية بحجة أنها تقوم بعملية سمسرة في الدواء. وتخوف الصيادلة من تفاقم ندرة عدد من أصناف الأدوية في ظل توقف وإحجام شركات الأدوية من استيراد الدواء مما يفاقم الوضع ويؤدي إلى ندرة في الدواء مع ارتفاع الأسعار.
وأكد مندوب طبي بإحدى شركات الأدوية – طلب حجب اسمه – أن معظم شركات الأدوية توقفت عن العمل لغياب تسعيرة الدواء، وقال إن أسعار الدواء غير معروفة الأمر الذي حدا بالشركات التوقف إلى حين تسعير الأدوية، وقال إن الشركات أمامها عدد من الطلبيات من الصيدليات وعجزت عن الإيفاء بها مؤكداً أن المشكلة تكمن في أن الشركات محكومة بسعر الدولار الموازي، وأن عدداً من الشركات قامت باستيراد الأدوية بأسعار عالية وقامت ببيع الأدوية بالخسارة، مشدداً على أنه لا حل للمعضلة سوى إلغاء تحرير صرف الدولار.
غياب أدوية التأمين
وتقول طبيبة صيدلانية إن المرضى وصلوا إلى حالة يرثى لها مؤكدة أن معظم المرضى يرجعون بوصفاتهم الطبية دون صرفها نسبة لارتفاع أسعار الأدوية، مؤكدة أن المجلس القومي للأدوية والسموم لم يلتزم بتسعيرة معروفة حتى الآن، وأن المواطن أضحى يتأكد أولاً من قيمة الدواء المطلوب، إذ أن الصيدليات أصبحت لا تستطيع تغطية أدوية التأمين الصحي، وأن هذه الأدوية أصبحت تباع في الصيدليات التجارية فضلاً عن خروج عدد من الأصناف من قائمة أدوية التأمين الصحي بسبب ارتفاع أسعارها
تعميم للصيدليات
وأكد صيادلة بإحدى صيدليات بحري وصول تعميم من مجلس الأدوية والسموم يلزم الصيدليات ببيع الأدوية بسعر الزيادة المحددة من 100ـــ 300% وقالوا إن تلك الزيادات شملت أدوية كانت بفواتير قديمة وبسعر أرخص وأشاروا إلى غياب عدد من أصناف الأدوية. وأكد طبيب صيدلي أن الصيدليات لم يصلها أي منشور بتخفيض أسعار الدواء، بل على العكس وصلها منشور بزيادة أسعار الدواء، ووصفت الوضع بالمؤسف مؤكدة عجز العديد من المرضى عن شراء الدواء.
ذعر الشركات
من جهته أكد رئيس اتحاد الصيادلة د. صلاح إبراهيم أن مجلس الأدوية والسموم قام باستخراج تسعيرة للأدوية وألزم بها الشركات على أن يلتزموا بتلك التسعيرة إلى اليوم الثلاثاء، وهو الموعد المحدد لصدور قائمة جديدة لتسعير الأدوية، وعزا إبراهيم عزوف الشركات من استيراد الأدوية إلى ضبابية التسعيرة وعدم تحديدها حتى يوم أمس، وقال لـ(الصيحة) إن الأسعار الحالية للأدوية هي أسعار ما قبل المراجعة التي تقوم بها اللجنة المكونة حديثاً والتي بعدها يسلِّم مجلس الأدوية مظروفاً فيه أسعار يفترض أن تكون معتمدة.
وأقر رئيس اتحاد الصيادلة بوجود أخطاء في تسعيرة الأدوية، وقال إن اللجنة المكونة حديثًا عاكفة حالياً على مراجعتها وتحديد أسعار جديدة، واعتبر أسعار الدواء ما زالت مبهمة حتى يوم أمس، مشدداً على أن وزير الصحة لم يقم بإلغاء قرار رفع الدعم عن الدواء ولكنه قام بإلغاء التسعيرة.
الخرطوم: إبتسام حسن
صحيفة الصيحة